لقد سرت هذه الروح في جسم المعسكر الصليبي - بفعل رؤوسه - حتى كادت تشمل كيانه وتتغلغل في أجزائه وتشمل شعوبه وجماعاته وطوائفه وأفراده لولا وجود مجموعات أو طوائف بدت منهم المودة للإسلام والمسلمين، بسبب بقائهم أو قربهم من التوحيد الذي جاء به عيسى - عليه الصلاة والسلام - ولذا بقيت بمنأى عن التلوث بهذه الروح الخبيثة، التي دأب رجال الكنيسة وسواهم من رؤوس المعسكر النصراني الصليبي على غرسها وإحيائها في شعوبهم وأتباعهم تضليلاً لهم وحقداً على الإسلام والمسلمين، ومن ثم دخلت مجموعات من هذه الطوائف في الإسلام حين وصلها وعرفته، كما فعلت طائفة منهم كانت في إقليم (البوسنة) تدعى (طائفة البوغوميل) (رفضوا عبادة السيدة مريم، وأبوا نظام التعميد، وأنكروا الصليب رمزاً دينياً، واعتبروا الانحناء أمام الصور الدينية والتماثيل إنما هو ضرب من عبادة الأصنام، وكرهوا نواقيس الكنائس وأطلقوا عليها أبواق الشياطين، وكانت دور صلاتهم على درجة كبيرة من البساطة والبعد عن الزينة والزخارف على عكس الكنائس الكاثوليكية التي كانت تتميز بالزخارف الزاهية.. وفوق هذا كله كان أفراد هذه الطائفة يعتقدون أن المسيح نفسه عليه الصلاة والسلام لم يصلب ولكن حل محله شبح آخر، وهم يتفقون مع الآية الكريمة التي جاء فيها {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} (النساء: 157) وكانوا يحرمون على أنفسهم شرب الخمر ويحرصون على أن يكون سلوكهم الخارجي وعلاقاتهم الاجتماعية مبرأة من العيوب التي حفلت بها المجتمعات المسيحية في أوروبا في ذلك الوقت.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015