أجل إن نصر الله قريب.. قريب في هذه اللحظة التي يشعر فيها المؤمن المقاتل أن لم يبق بينه وبين الجنة إلا ضربة بسيف أو طعنة برمح أو قذف بقنبلة أو انقضاض بطائرة في هذه اللحظة بالذات تأخذ الغيوم تتقشع وتتسرب أشعة الشمس من خلال الشقوق بين السحب الدكناء ويتبدى النصر للمجاهدين قليلا قليلا وهم يعانون المآسي ويحتملون الآلام ويبذلون التضحيات إنهم لا يستروحون عبير النصر حتى يشرفوا على لحظات اليأس، وإذ ذاك يتدفق الأمل في النفوس حيا ثجاجا عجاجا ويتنزل النصر من عند الله فيتمسكون به ويضنون به، وإذا تعودت النفوس العزة كبر عليها الذل فتخجل من النكوص على العقبين ومن الارتداد إلى الهزيمة.
أجل إن نصر الله قريب ولكنه ليس قريبا إذا استجدى المسلمون إيقاف القتال وعدوهم عليهم ظاهر ولم يكن طعم من ردود الفعل إلا الدموع والتظلم والشكوى.
3- المصابرة والمرابطة والثبات:
ومن ثم صدرت الأوامر من الله إلى الجيش الإسلامي بالمصابرة والمرابطة والثبات، فإنها أعمدة النصر المنتظر إن رفعت على تقوى الله والتزام حدوده فقال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [22]
والسر في ذلك أن الصبر من الحرب كالروح من الجسد، وأن الفريق الأجلد والأصبر هو الفائز بالنتائج الرابحة في المعركة ولذلك أمرنا الله أن نصابر الكافرين في القتال حتى نغلبهم في الصبر وقد أرشدنا سبحانه إلى القوة التي يستمد منها الصبر وتعين عليه ألا وهي تقوى الله، فإن الفار يبوء بغضبه ومن يخشه يمتثل أمره ويثبت قدميه في مستنفع الموت لا يرتدون خائبين وبالصبر أحبط المسلمون يوم الخندق خطة الأحزاب وكان من دواعي فخرهم إن صبروا ويشهد بذلك شعر قاله كعب بن مالك رضوان الله عليه يوم الخندق:
ولو شهدت رأتنا صابرينا
وسائلة تسائل ما لقينا