قد يسأل القارئ بعدما تقدم لم ينكر تأثير العرب علماء الوقت الحاضر الذين يضعون مبدأ حرية الفكر فوق كل اعتبار ديني كما يلوح؟ لا أرى غير جواب واحد عن هذا السؤال الذي أسأل نفسي به أيضا وهو أن استقلالنا الفكري لم يكن في غير الظواهر بالحقيقة وأننا لسنا من أحرار الفكر في بعض الموضوعات كما نريد، فالمرء عندنا ذو شخصيتين: الشخصية العصرية التي كونتها الدراسات الخاصة والبيئة الخلقية والثقافية، والشخصية القديمة غير الشاعرة التي جمدت وتحجرت بفعل الأجداد وكانت خلاصة لماض طويل، والشخصية غير الشاعرة وحدها ووحدها فقط هي التي تتكلم عند أكثر الناس وتمسك فيهم المعتقدات نفسها مسماة بأسماء مختلفة وتملي عليهم آراءهم فيلوح ما تمليه عليهم من الآراء حرا في الظاهر فيُحترم، والحق أن أتباع محمد ظلوا أشد من عرفته أوروبة من الأعداء إرهابا عدة قرون وأنهم عندما كانوا لا يرعدوننا بأسلحتهم كما في زمن شارل مارتن والحروب الصليبية أو يهددون أوروبا بعد فتح القسطنطينية كانوا يذلوننا بأفضلية حضارتهم الساحقة وأننا لم نتحرر من نفوذهم إلا بالأمس وتراكمت مبتسراتنا الموروثة ضد الإسلام والمسلمين في قرون كثيرة وصارت جزءا من مزاجنا وأضحت طبيعة متأصلة فينا تأصل حقد اليهود على النصارى الخفي أحيانا والعميق دائما، وإذا أضفنا إلى مبتسراتنا الموروثة ضد المسلمين مبتسرنا الموروث الذي زاد مع القرون بفعل ثقافتنا المدرسية البغيضة القائلة إن اليونان واللاتين وحدهم منبع العلوم والآداب في الزمن الماضي أدركنا بسهولة سر جحودنا العام لتأثير العرب العظيم في تاريخ حضارة أوروبة..

ويتراءى لبعض الفضلاء أن من العار أن يُرى أن أوروبة النصرانية مدينة لأولئك الكافرين في خروجها من دور التوحش فعار ظاهر كهذا لا يقبل إلا بصعوبة. ا-هـ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015