وفي رواية للحاكم من حديث عائشة قالت: "دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم امرأة فهش لها وأحسن السؤال عنها فلما خرجت قال: إنها كانت تأتينا أيام خديجة وإن حسن العهد من الإيمان".
إذن فما الذي يمنعه أن يطيب خاطر فاطمة بنت خديجة بتحقيق مرامها وهو الحريص على أن يكرم صدائق أمها؟ , أليست ابنتها أولى بالكرم وأجدر بالعطف وأحق بالرعاية؟ , بلى, وليس هو في حاجة إلى من يذكره بحق ابنته أو زوجته فهو المثل الأعلى والقدوة الحسنة في بر الأهل وصلة الرحم، بيد أنه أراد أن ينقش في أذهان الناس أنه ما كان انتماء فاطمة إليه، وما كان انتسابها لخديجة يشفع لها في الحصول على أموال الله فالحاجة عند الرسول صلى الله عليه وسلم هي الشفيع الأول والأخير، وهناك من هم أحوج من ابنته فما كان له أن يدعهم ويشتغل ببنته عنهم وهو القدوة التي يجب أن يتأسى بها المسلمون جميعاً.
لقد اعترف عليه الصلاة والسلام بحق البطون وأصاخ إلى طلبها، فأبى أن يذعن لعطفة الأبوة، وعهد الزوجية، وصلة المصاهرة، وجاع هو وأهله في سبيل أن يوصل للرعية قوتها، ويقضي طلبتها، ويسد احتياجاتها، وأوصل لذوي الحق حقوقهم قبل أن يطلبوها، وفكر في شئونهم قبل أن يفكروا فيها، وكد هو وأهله من أجل لقمة العيش فلم يتعطل واحد منهم اعتماداً على أموال المجاهدين، ولم ينلهم مها على الرغم من فقرهم ونصبهم ومرضهم ما نال أهل الصفة وضعفاء المسلمين.
أيها الفقراء:
لقد جاع الرسول صلى الله عليه وسلم ليشبعكم، وتعب ليريحكم، وضيق على نفسه وأهله ليوسع عليكم، وقدم إليكم القوت قبل أن تطالبوا به، ووفر لكم ما يلزمكم قبل أن تثوروا في وجهه، فمم تفرون؟ ، وإلامَ تلجئون؟ , {أَفَغَيْرَ دِينِ اللَّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعاً وَكَرْهاً وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ} .