لقد حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال المسلمين، وحجبها عن أنظار الأقارب والمقربين, وأوجب أن تصرف حسب حاجة المحتاجين، وبدأ يطبق هذه المبادئ على ابنته الوحيدة التي لم يبق له سواها، ولم يبق لها سواه، ولم يشفع لها أنها ابنة خديجة زوجته المحبوبة التي آزرته بمالها وجاهها وعقلها، وقابلت ربها راضية مرضية بعد أن أنفقت ما تملك في سبيل دين الله، ولم يبق لابنتها من ثرائها المشهور ما تستعين به على نوائب الحياة، أنقول: أنه صلى الله عليه وسلم قد تنكر لجميل أمها بعد أن ماتت أم نقول: إن زوجاته قد شغلنه عن خديجة وبنت خديجة؟ لا. لا. فقد كان عليه الصلاة والسلام المثل الأعلى في الوفاء.
روى أحمد بسنده عن عائشة قالت: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ذكر خديجة أثنى فأحسن الثناء, قالت: فغرت يوماً فقلت: ما أكثر ما تذكر حمراء الشدقين! قد أبدلك الله خيرا منها. قال: ما أبدلني خيرا منها قد آمنت بي إذ كفر بي الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها وحرمني أولاد الناس".
وفي رواية أخرجها الشيخان والترمذي قالت عائشة: "ما غرت على أحد من نساء النبي صلى الله عليه وسلم ما غرت على خديجة رضي الله عنها، وما رأيتها قط ولكن كان يكثر ذكرها وربما ذبح الشاة ثم يقطعها أعضاء ثم يبعثها في صدائق خديجة وربما قلت له: كأنه لم يكن في الدنيا امرأة إلاّ خديجة؟ فيقول: إنها كانت، وكانت، وان لي منها ولد. قالت: وتزوجني بعدها بثلاث سنين".
وفي رواية للبخاري في الأدب المفرد عن أنس قال: "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى بهدية قال: اذهبوا بها إلى بيت فلانة فإنها كانت صديقة لخديجة رضي الله عنها، إنها كانت تحب خديجة".