وخانته قربك الأيام
فيمسك الصاحب بتلابيبه ثم يقول: "إنه بيت، رقية العقرب أقرب إلى الأفهام منه، فإن قوله: (فيك) لو وقع في عبارات الجنيد والشبلي لتناءت عنه المتصوفة دهراً …
ورقية العقرب هذه تذكرنا قول ابن الرومي في شعر البحتري:
رقى العقارب أو هذر البناة إذا
أضحوا على شعف الجدران في صخب
ويقلِّب الصاحب نظره في رثاء المتنبي لأم سيف الدولة، وفيه من الفخامة ما يليق بجلال الملوك، فإذا هو يقذف بالقهقهات المثيرة هنا وهناك، ثم يسجل ملاحظته في مثل هذه الكلمات: يقول الصاحب: ولما أبدع (المتنبي) في هذه المرثية واخترع قال:
صلاة الله خالقنا حنوط
على الوجه المكفن بالجمال
وقد زعم بعض من يغلو في المتنبي أن هناك استعارة، فقلت: صدقت. ولكنها استعارة حداد في عرس. ولا يفوتنا غرابة (الحداد في عرس) فهي من ابتداع الصاحب، فيما أظن، وقد بقيت ملكه حتى أخذها شاعر حديث فقال:
ضحك الأمس، فرنّت في الدجى
ضحكة الثاكل في ليلة عرس
ويقرأ الصاحب قول أبي الطيب:
إن كان مثلك كان أو هو كائن
فبرئت حينئذ من الإسلام
فلا يهمه ما في البيت من سخف المعنى والمبنى، بمقدار ما تسوؤه لفظة (حينئذ) لذلك يكشف عورتها وهو ينادي (إنها ههنا أنفر من عيَر منفلت!) .
وهكذا هو يصنع في ذلك البيت الآخر الذي يتساءل به المتنبي عن الطلول:
أسائلها عن المتديريها
فما تدري، ولا تُذْري دموعا
فإذا هو يقبض على هذه (المتديريها) بكلتا يديه، ويقول: "لو وقعت هذه اللفظة في بحر صاف لكدرته ولو ألقي ثقلها على جبل سام لهدته! …"
ولَكَم ثار فضول الناس حول قول المتنبي الآخر:
أُحاد أم سداس في أُحاد
ليَُيْلَتُنا المنوطة بالتنادي!