وإنما الحقيقة هي ما وقر في قلوبكم وصدقه العمل. ومع هذا كله فقد اتجه القرآن الكريم إلى تلك النفوس الضعيفة والقلوب المريضة بالموعظة {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} . لعل الله ينفعهم بذلك.
ثم قضية عامة في حق عموم الرسل: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ} . أي فما كان من حقهم أن يخالفوه أو يعرضوا أو يتولوا عنه.
ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم بهذا الإعراض وبهذا التولي وسمعوا الموعظة وأثر فيهم القول البليغ جاؤوك فاستغفروا الله جاءوا تائبين مقلعين عما كانوا عليه راجعين إلى الله وإلى ما أنزل على رسوله صلى الله عليه وسلم واستغفر لهم الرسول. ولعل في استغفار الرسول لهم إشعار بصدق توبتهم وقوة عزيمتهم وإخلاصهم في رجوعهم إلى الله. لوجدوا الله تواباً رحيماً.
وفي نهاية المطاف معهم يأتي الجواب والحكم بفصل الخطاب:
مؤكداً بالإقسام بالله تعالى: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ} ولا يثبت لهم إيمان ولا يكونون ضمن عداد المؤمنين حتى يأتوك مذعنين و {يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً} ولا ضيقاً ولا تأففاً ولا غضاضة مما قضيت. ويروا فيه الإحسان المطلوب والتوفيق المنشود ويسلموا تسليماً. بدون تردد ولا ارتياب. وقد بيّن تعالى موجبات هذا التسليم والرضا بحكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم أولاً: في واقع الحال لأن حكم الله يحكم ما يشاء ويختار. وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم حكم بما أراه الله.