وفي هذا المقام بيان لعين الدعوة القديمة المتجددة وهي عين الإحسان والإصلاح وهي عين ما يدعيه أولئك دعاة التغيير من قولهم نريد ما فيه المصلحة وما يتناسب والوضع الحاضر وما يساير التطور إلى غير ذلك مما لا يخرج من ادعاء السابقين من سلفهم حتى أدى ببعضهم أن تجرأ وقال حيثما وجدت المصلحة فثم شرع الله ز وهذا القول زاد في ضلاله عن قول المتقدمين لأنه ينزل بمستوى الشرع إلى هؤلاء الناس ويجعل الشرع تابعاً لما يسمونه مصلحة. إنا لنتساءل ما حدود هذه المصلحة المزعومة أهي في ربويات البنوك أم عقود الغرر أم في حرية الأفراد ومساواة المرأة وإشباع الرغبات. أم في أي مجال يريدون. وهل المصلحة هي ضابط التشريع أم العكس. وهل المصلحة إلا أمور نسبية فما يكون مصلحة لهذا يكون مضرة لذاك. ولو كانت المصلحة هي المتحكمة لما كانت للشرائع حاجة. ولكن الشرائع هي التي تحدد المصالح المعتبرة. وتحد من أنانيات البشر وطغيان المادة وشره النفوس ولذا يقول تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} . ولم يقل تتحقق مصلحة.
ولعل من قائل أن المصالح المرسلة أصل من أصول التشريع فيقال له: لا تنسى ما قيدت به من كونها مرسلة ولم تتعارض مع نص ينهى عنها ولها باب واسع.
ولبيان كون تلك دعاوى كاذبة ونابعة عن هوى ومرض في قلوبهم جاء قوله تعالى: جواباً على ادعائهم {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} من واقع التولي والإعراض. ولكأن هذا الجواب الموجه إلى ما في قلوبهم ونفوسهم إغفال واطراح وإلغاء لدعواهم إرادة الإحسان والتوفيق. فكان يقول لهم ليس لهذا الادعاء وجود فيما تدعونه وليس لدعواكم قيمة ولا اعتبار أو حقيقة.