وأعجب من كل ذلك ما ظنه الأستاذ الكبيسي أنه اكتشاف لانخداعي بالعنوان الذي أدرج ابن القيم كلامه فيه تحت قوله: "فصل في تغير الفتوى واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد"، وقوله: إنني فهمت من عبارة "تغير الفتوى"تغير الحكم، وأنه ليس الأمر كذلك لأن الفتوى غير الحكم، وإنما هي بيانه، وهنا ألفت نظر الأستاذ الكبيسي إلى أنني لست صاحب القول الذي قال: "لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان" وإنما هو قول الأئمة المعتمدين، غير أن من قال بذلك لم يقل إن المراد من "تغير الأحكام"هو تغير النصوص وتعطيلها والتصرف بها، وإنما مراده "تغير الفتوى"، كما قال ابن القيم رحمه الله، وليست "الفتوى"عندما تطلب من المفتي إلا التعبير عن "الحكم" الشرعي في القضية المسؤول عنها، فلا خلاف إذن في المراد من اللفظين هنا، ولا انخداع ما دام المراد منهما هنا بعيداً عن الزعم "بتغير النصوص مع تغير الأزمان"فلا يجوز للأستاذ الكبيسي إلزام الآخرين بما يفهمه هو من فهم لم يجزه الآخرون، وإنما رفضوه وحذروا منه.

وملاحظة أخيرة على فهم الأستاذ الكبيسي فيما يتعلق بالنسخ، وزعمه بأنني أخذت بوقوع النسخ كدليل على جواز تغيير الأحكام المنصوص عليها، فهذا شيء لا أصل له إلا سوء الفهم الذي وقع فيه ورماني به، وذهب يطيل الكلام فيه إطالة لا حاجة إليها، فإنني فرقت ما بين النسخ الذي هو من عمل الشارع نفسه ويتعلق بالنصوص، وما بين تغيير فتوى المفتين والمجتهدين في بيان الأحكام عند تغير الظروف والأزمان، وذلك من عمل المجتهدين ومن دون مساس بالنصوص، بل قلت فيه: "إنه عبارة عن العمل بنفس النص الثابت، ولكن بدليل مستوحى من ظروف النص تبعاً لمصلحة زمنية"الصفحات 316، 317، 318.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015