وكما أن الإيمان من غير عمل لا يغني فكذلك العمل من غير إيمان كبناء على غير أساس. على شفا جرف هار. كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء. كهشيم تذروه الرياح: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلالُ الْبَعِيدُ} .
إن الإيمان الحق بالله، والإيمان الصادق برسول الله وبكل ما جاء به عن الله قوة إيجابية محركة. طاقة بناءة هائلة، تملأ قلب المؤمن، وتسري في دمه، وتنفذ إلى عقله وفكره، وتسيطر على شعوره ووجدانه وتتحكم في عزيمته وإرادته، وتوجه وتحرك جوارحه، وتلازمه في الليل والنهار وتصاحبه في السر والعلانية. فلا يعصي لله أمراً ولا يرى إلا حيث أحب الله، ولا يفتقد إلا حيث يبغض الله: إن الإيمان بالله قوة منتجة مستكنة في أعماق النفس المؤمنة تظهر آثارها وثمارها في السلوك والتصرف في العمل الجاد لله، والطاعة المطلقة لحكم الله والتضحية بالهوى مرضاة لوجه الله وقد قرن الله الإيمان بالعمل في سبعين آية من آيات القرآن الكريم، فما من آية ذكرت الإيمان مجرداً، بل عطفت عليه عمل الصالحات، والصالحات جماع كل خير ومحبة للفرد والجماعة، وبهذا أصبحت صلة العمل والسلوك والخلق بالإيمان صلة وثيقة لا يعروها وهن، قال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ} … وقال عز من قائل: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ آوَوْا وَنَصَرُوا أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً} .