وكل ما ورد من النصوص في ذم الاختلاف فالمراد به الذي يخرج عن حدود الشرع وآدابه، ولا يكون المقصود به الحق بل الهوى والعصبية، وكذلك كل خلاف يتمرد على الحَكَم الذي أوجب الشرع الرجوع إليه، أو المراد به الاختلاف في أصل العقيدة، وما أخبر به صلى الله عليه وسلم من وقوع الاختلاف في أمته فهو التفرق والانقسام، ولذلك حذَّر منه، وكذلك الفرق الثلاثة والسبعون التي ذكر أنها كلها في النار إلا واحدة، فإن المراد بها الاختلاف في العقائد وفيما أجمع عليه المسلمون ولذلك عبر بقوله (ستفترق) ولم يقل (ستختلف) لأن مطلق الاختلاف وقع حتى بين أصحابه، ولعل بعض الجهال طبق هذا الحديث على مذاهب أئمة الإسلام وعلى رأسهم الأئمة الأربعة مع أن أحداً ممن له أدنى فهم يعلم أن اختلاف هؤلاء كاختلاف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيه تفرق بل فيه سعة ورخصة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم..

وأما ما وقع من تفرق المقلدين في العصور المتأخرة التي هي عصور الانحطاط فإنه لا يعيب أصل ما ذهب إليه أولئك الأئمة المرضيون من الاختلاف إنما يقع العيب فيه على هؤلاء الأتباع الجهلة المتعصبين..

فإن اختلاف الصحابة والتابعين والأئمة المرضيين ومنهم الأئمة الأربعة واقع كله ضمن حمى الشرع وداخل أسواره، وإنما خرج عن ذلك الحد إلى خارج أسوار الإسلام أمثال الخوارج والروافض والجهمية وأشباههم ممن تكلموا بالشبه في ـ قطعيات ـ الدين.

المسألة الثالثة:

علماء الإسلام المرضيون عليهم رحمة الله ورضوانه من الصحابة والتابعين وتابعيهم في كل عصر لا يختلفون إلا بدليل أو تأويل، ولا يتصور أن أحداً منهم يخالف النص معتمداً أو بغير دليل.

وأخص بالذكر الأئمة الأربعة: أبا حنيفة ومالكاً والشافعي وأحمد لشهرتهم في هذا المجال وانتشار مذاهبهم في الدنيا.

فكل من له علم وتتبع أقوالهم وفتاويهم وتأمل استدلالهم وأصولهم العلمية يجد مصداق ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015