ومن ثنايا هذه الوثيقة التاريخية الهامة نلمس مدى ما كان عليه الشيخ رحمه الله من قوة الإيمان وصفاء العقيدة وحب الاستشهاد في سبيل الله مع ما تحلّى به من الشجاعة وقوة الرأي وصفاء العقل ونور البصيرة، ويظهر ذلك في وضوح في هذه النقاط الحيوية التي تحدث عنها والتي شملت الناحية الدينية والحربية والسياسية، أعلن رحمه الله الجهاد على الإنجليز ومن تحت حمايتهم وأخذ للأمر عدته، وجمع الصوماليين من مختلف أقسام الصومال واستحثهم على القتال، وتخليص أوطانهم من أدران الإنجليز، وبنى أكثر من أربعين حصنا أودعها الذخائر والمؤن التي جمعها، وصنع فيها صهاريج لحفظ المياه، وأنشأ قلاعا في داخل الأوجادين، وقسّم الجيش إلى فرق متناسبة بطريقة تكفل له النصر وتحقق الظفر، فألّف فرقا خاصة من العلماء وزعماء القبائل ممن عرفوا بالشجاعة وقوة الشكيمة وأعدّها لقتال الفرق الإنجليزية الخالصة، كما ألّف فرقا أخرى من الصوماليين غير من تقدموا لمقاتلة جنود المستعمرات وغيرهم الذين يجلبهم الإنجليز لهذه الحرب ويجعلونهم وقودا للدمار وضمانا لتوفير المواد الغذائية للجيش، أصدر أمره رحمه الله إلى الزراع بالاجتهاد والتوسع في الزراعة ليكثر محصولها وتكفي مؤونة الجند وأهل البلاد، وقد أبدى في هذه الحرب من ضروب الشجاعة والدعاء في القتال ما أقضّ مضاجع المستعمرين وكلّفهم الكثير من الأموال والرجال طيلة خمسة وعشرين عاما كان النصر فيها معقودا بلوائه، مع قلة رجاله وضعف عدته وكثرة عدوه وقوة أسلحته، فلم تستطع أنجلترا وهي في عنفوان طغيانها واستبدادها أن تنال منه في قليل أو كثير، فتعهدت له كتابة بما كان قد طلب تغييره مما يتنافى مع الدين، ولكن نفسه العالية - رحمه الله - أبت إلا إخراج الإنجليز الذين دنّسوا البلاد برجسهم وكفرهم.. وهنا تلجأ قوى الاستعمار إلى التكتل.. وتحارب الشيخ من كل الجهات فتتعاون الجيوش الإيطالية- الحبشية في ذلك الوقت - على هدم