وفي الحرمات كلها تتكرر القصة وتتمثل الصورة الرائعة. فإن أردت أن تحمي مزرعتك من العدوان فلا تعتدي على مزرعة غيرك، وإن أردت أن تصون حماك فلا تقتحم حمى لسواك.
وإذا تطلعت إلى عورات جرك أعطيت له الفرصة ليتطلع إلى عوراتك وقدمت له السلاح الذي يستخدمه ضدك. وكما تدين تدان، والديان لا ينام، والرقيب العليم لا يخطئ ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء.
والحرية التي يدعيها المهرجون، ويتشدق بها دعاة الهمجية ليست حرية وإنما هي بوهيمية نازلة، وفوضى سافلة تعود بالمجتمع إلى حياة الحيوانات. فلا حدود للأعراض، ولا حدود للحقوق، ولا حدود للواجبات، ولا حدود للأخلاق، وإنما يعيش الناس في مهزلة جماعية يشترك فيها الجميع وهي مهزلة مبكية ومضحكة في وقت واحد. يدعي الكل فيها أنه حر وهو في الواقع أشد ما يكون عبودية لأخس الرغبات وأحط الرذائل، يعيش في مجتمع يسيطر عليه النفاق والخداع والمداهنة، وتستولي عليه المجاملات الكاذبة بينما يغلي بالنقد الأخرس والحقد الأسود والسخط المكبوت. فلا أحد راض عما يحدث حوله لأن ما يحدث هجوم فعلي على عقائده، ولكن لا أحد يتكلم لأن الكل يتشدق برنين أجوف باسم الحرية، وباسم التصرف الشخصي.
لقد صور الرسول النبيل –صلى الله عليه وسلم- فكرة الحرية في بساطة الإسلام ووضوح العقيدة بصورة حسية حينما ضرب المثل بقوم كانوا في سفينة، واحتل بعضهم المواقع العلوية في السفينة، واحتل آخرون الموقع الأسفل منها. وكان على الرابضين في الموقع الأسفل أن يستقوا الماء بواسطة إخوانهم الذين يعيشون في أعلى السفينة ولكن شيطان الحرية وسوس لهم، وطالبهم بالثورة على هذه التبعية باسم الحرية الحمقاء. وهتفوا: لماذا لا نخرق في مكاننا خرقا نأخذ منه الماء مباشرة من البحر لنتحرر من التبعية.
ولو مضى هؤلاء النفر ينفذون خطتهم باسم الحرية فماذا ستكون النتيجة؟