على أن الأحكام المستمدة من السنة مأخوذة في الحقيقة من القرآن الكريم وتوجيهه العام، ومستقاة من أصوله، ومستوحاة من أهدافه، إذ إنها إما تخصيص لعمومه، أو مفسرة لمجمله، أو مقيدة لمطلقه، أو شارحة لكيفية تطبيق بعض أحكامه، وهذا ما فهمه الصحابة وعلموه وهو أن السنة وأحكامها تعتبر مأخوذة من القرآن الكريم، لأن الله تعالى قد أحال المسلمين في بعض نصوصه إلى السنة، وقصة المرأة الأسدية مع عبد الله بن مسعود في لعن الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة والنامصة والمتنمصة حينما قالت: لقد قرأت ما بين دفتي المصحف فلم أجد اللعن فيه، قال: أما إنك لو قرأت لوجدتيه، ألم تقرأي قوله تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، فالأخذ بالسنة في الواقع أخذ بالقرآن، لأن القرآن أحالنا عليها في بعض الأحكام، كما أن السنة هي التاريخ التطبيقي للقرآن، فالجهل بها جهل لكيفية تطبيق القرآن، كما أنها المصدر الوحيد لمعرفة سبب النزول، ومعرفة ناسخ القرآن ومنسوخه، وهذه أمور ضرورية جدا لتحديد معنى النص القرآني في كثير من الآيات.
ولنضرب أمثلة حية من أحكام السنة المخصصة لعموم محمكم القرآن أو المفسرة لمجمله:
1_ قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِنْ كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ} .