ونتيجة للخلافات السياسية والمذهبية, ونتيجة لما أصيبت به الأمة من انحلال في بعض جهاتها.. نادى بعض من يغار على الدين عن جهل وضلال بالرهبانية والعزلة وترك الدنيا.. وذمّوا الاختلاط بالآخرين, فقالوا على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم: "رهبانية أمتي القعود في المسجد" (?) مخالفين بذلك أصول الشرع وقواعده, بل نادوا بالعزلة في البراري والقفار "إذا أتت على أمتي سنة 380 حلت لهم العزلة والترهب على رؤوس الجبال " (?) وحببوا إلى الناس الخمول والكسل "الخمول نعمه وكل يأباها" (?) بل حاولوا القضاء على الأمة كلياً بالقضاء على نظام الأسرة يقولون ويزعمون أن ذلك مرفوع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إذا أحب الله عبداً اقتناه لنفسه ولم يشغله بزوجة ولا ولد" (?) من تلك الخرافات وشبهها نشأت فكرة الصوفية, التي عمت وطمت أنحاء العالم الإسلامي, فشَلَّت حركة المجتمع واتخذت الدروشة والرهبنة شعاراً والرقص والتواجد وأشباهه دثاراً، وقضت على الحركة الفكرية بانتحالها لعلم الباطن, وما أدراك ما علم الباطن, يقولون فيه على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم "علم الباطن سر من أسرار الله.. يقذفه في قلب من يشاء من عباده" (?) .
فزهَّدوا الناس في علم الحديث الذي يناوؤنه كما زهَّدوهم في الدنيا التي يعادونها, ولاشك أن العامة حين تسمع هذه الأحاديث, تسير في فلكها تبعاً لإيمانها الفطري عن جهل وضلال وما أعظم المصاب حين غزت الصوفية بأفكارها الضحلة العقلية الإسلامية فأفقرت الأمة في علوم الدين كما أفقرتهم في متاع الدنيا.
الفصل الثالث: الآثار الاقتصادية