لقد ولد الاختلاف السياسي مبكراً في التاريخ الإسلامي فنشأ معه من لحظته الأولى الوضع, يذكي ناره إذا خبت ويزيد سعيرها إذا ارتفعت, فكما أن الرجال كانوا وقوداً للحروب التي نشأت عن الاختلاف السياسي كذلك كان الوضع وقوداً لتلك الخلافات, فاتسعت رقعتها واتسمت بالطابع الديني فتفرق المسلمون واختلفت كلمتهم, بعد أن كانوا يداً واحدة وعلى قلب رجل واحد, فبدأ الانفراج في زاوية المسلمين من ذلك الحين ثم أخذت تتسع مع مسار الزمن وتكاثر الأحداث, يغذيها ركام الوضع والاختلاف, كما حدث بين الأمويين والعباسيين, حيث تكون تلك الافتراءات طاقة عصبية تحمس الجند وتدفعهم إلى القتال، فمما وضع أنصار الأمويين " أقبلت رايات بني العباس من قبل خرا سان جاءوا بنعي الإسلام.." (?) ومما وضع أنصار العباسيين "رأيت بني أمية على منابر الأرض وسيملكونكم فتجدونهم أرباب سوء" (?) وحين جاء المستعمرون لم يحتاجوا إلى سياسة "فرق تسد" بل وجدوا الباب مفتوحاً على مصراعيه, فجَرّوا عليهم البلاء في الدين والدنيا معاً.
ب - الخلاف المذهبي:
لقد وجدت المذاهب الإسلامية الأربعة ولا أثر للوضع في قيامها، إذ قامت على المعين الصافي: القرآن والسنة, وإنما وجد الأثر السيئ للوضع في إذكاء تلك الخلافات بين الأتباع وإشعال نارها, فقد جاء من بعدهم مقلدون أجلاء, لكن بعض الجهال أو المتجاهلين تعصبوا لمذهب معين فعمدوا إلى إسناد رأيه بالدليل, وإذا عجزوا عن ذلك أخذوا من بنات أفكارهم ألفاظاً هي إلى الفتاوى أقرب وألصقوها بالرسول صلى الله عليه وسلم, وهكذا فعل الآخرون فاشتعلت نيران التعصب المذهبي وأقفل باب الاجتهاد (?) .