.. نعم ... في العصر الحديث, وفي هذه الفترة العصيبة والمنعطف التاريخي في حياة الأمة الإسلامية, نادى بعض من يعيش على أنقاض مخلفات ماضية, تدفعه خلفيات معينة إلى ترك السنة والاحتجاج بها, مدعياً أن فيها الكثير من المصنوع والموضوع, محاولاً التشكيك في سلامتها, وزاد الطين بلّة, وضغثاً على إبّالة ما مني به المسلمون في هذا العصر من ضعف في الثقافة الدينية الصحيحة عامة وعلم أصول الحديث ومصطلحه خاصة, فاستولت الخرافة الكاذبة والمذاهب الفكرية المنحرفة على عقول الكثير, فلو علم المنادي والمنادون ما قام به علماء الأمة من أدوار خالدة وجهود جبارة في مقاومة الوضع وتعريف الأمة به وتحذيرها منه لهان المصاب، ولكنهم جهلوا أو تجاهلوا هذه الجهود وحاولوا طمسها والقضاء عليها.
لهذا كله, ولما رأيته من انتشار الأحاديث الموضوعة بين الناس, والأخذ بها على أنها قضايا مسلمة وأحاديث ثابتة, مع أنها في أصلها موضوعة مكذوبة بل ومدونة بهذه الصفة في كتب الأحاديث الموضوعة.
فلما تهيأت هذه الأسباب رأيت أن أدلي بدلوي في هذا الموضوع رغم علمي بكثرة الأبحاث والدراسات التي كتبت في هذا المجال.
ومعلوم لدى القارئ كثرة عناصر الموضوع (الوضع في الحديث النبوي) وكثرة المسائل والفصول التي يمكن أن يتطرق إليها الباحث فيه، لكني رأيت أن أقصر بحثي في هذا المقام على موضوعين، لأنهما في نظري حديث الساعة والمجال فيهما واسع يمكن لطالب العلم أن يبحر فيه وأن يأتي بالجديد والمفيد، وهما:
أولاً: بيان الآثار السيئة للوضع: فقد حاولت - قدر المستطاع - الإتيان بأسلوب جديد في هذا المضمار وبجهد ذاتي عن طريق استقراء النصوص الموضوعة وتطبيقها على الواقع المحسوس في عالمنا الإسلامي على مر العصور مع الحرص على الاستشهاد بأقوال أهل العلم من السلف والخلف كأدلة على ما أقول.