والراجح - والله أعلم - ما ذهب إليه ابن خالويه من أن كل صيغة تختلف عن الأخرى، فـ (تفكّهون) بمعنى تعجّبون فقط، و (تفكّنون) وهي التميمية بمعنى تندّمون فقط، وقد فسرهما بهذا - من قبلُ - أبوحاتم السجستاني (?) . وتفسير الآية الكريمة يحتمل المعنيين، وهذا يتضح من ذكر بقية الآية والآيتين السابقتين لها: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ. أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ. لَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَاهُ حُطَاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} (?) .
وليس بين النون والهاء علاقة صوتية، فهما متباعدان في المخرج والصفة، فمخرج الهاء من أقصى الحلق مما يلي الصدر، ومخرج النون من أدنى طرف اللسان فويق الثنايا، والهاء صوت رخو مهموس والنون مجهورة (?) ، ولهذا رجح الدكتور أحمد علم الدين الجندي ألا تبادل بين الصيغتين، وأن كلاً منهما أصل مستقل (?) .
ويرى الدكتور إبراهيم أنيس أن إحدى الصيغتين متطورة عن الأخرى، وأن (يتفكّهون) الأزدية هي الأصل، لوردها في نص قديم، في قوله تعالى: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} قال: فقد تطورت في بيئة الإسلام وأصبح نطقها (يتفكّنون) وسمعها رواة اللغة منهم بعد قرنين من ظهور الإسلام (?) .
وفسر الدكتور ضاحي عبد الباقي التطور المذكور بأن الصيغة التميمية قرئ بها في الشواذ، ومرجع القراءة بها - كما يرى - ضعف سمع المتلقي أو عدم تيقظه عند السماع، فتهيأ له أن القاري نطق (تفكّنون) بالنون، وساعد على ذلك أن سياق الآية احتمل ذلك (?) .