الثاني: أن يكون المعنى واحدًا في الصيغة الواوية والصيغة اليائية، ولذا لا يعد من التعاقب ما اختلف معناه، فالكور المبني من الطين، والكير: الرق الذي ينفخ فيه، فلا معاقبة هنا.
والمعاقبة بين الواو والياء تكون في أوائل الكلم، وأواسطه وأواخره، كقولهم: غلام يَفْعة ووَفْعة، ومولود وتن ويتن، وتحوّزت إلى فئة وتحيّزت، وبينهما بون بعيد وبين بعيد، ونوّم ونيّم جمع نائم، وقلوت البسر وقليته، وهذه غنم قِنية وقنوة، وهي الجهة القصوى والقصيا.
والتعاقب بين الواو والياء كثير ألف فيه العلماء، كـ (كتاب الاعتقاب) لأبي تراب اللغوي، وكتاب (التعاقب) لابن جني، وأفرد له ابن السكيت بابًا مستقلاً في (إصلاح المنطق) ومثلُه ابن سيده في (المخصص) . ونظم ابن مالك بعض ألفاظ التعاقب في تسعة وأربعين بيتًا.
وإذا كان اللغويون يذكرون أن الغالب على أهل الحجاز إيثار الصيغة اليائية فيما تعاقبت فيه الواو والياء، فإن المنقول عن أهل اليمن - ومنهم الأزد - أنهم يؤثرون الصيغة الواوية، قال الخليل: "الكُلوة لغة في الكلية لأهل اليمن".
وقال ابن دريد: "عبوت المتاع عبوًا: إذا عبيّته، لغة يمانية".
وقال الأزهري: "النيرج والنورج لغتان. وأهل اليمن يقولون: نورج".
كما أنها وجدت في النقوش اليمنية، فكلمة قَوْل يقابلها في الفصحى قَيْل.
وفي الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم كتب إلى الأقوال العباهلة، وروي الأقيال.
وأنشد ثعلب لرجل من طيء:
تحنّ إلى الفردوس والشَّير دونها
وأيهات عن أوطانها حوث حلّت
قال: هذه لغته.
وحكى ابن السكيت عن بعض طيء أنهم يقولون في جمع ناقة: أنوق، وغيرهم يقول: أنْيُق.
وأما الأزد، وهم من القبائل اليمنية المهاجرة، فقد عزيت إليهم المعاقبة في (تهذيب اللغة) في قول المؤرج: "هي المعيشة، والمعوشةُ لغة الأزد". وأنشد لحاجز بن الجعيد:
من الخَفِرات لا يُتْمٌ غَذَاها
ولا كَدُّ المعوشة والعلاجُ