إذا التقى الصفان وكان بمقابلة كل مسلم مشركان فأقل لا يجوز لأحد من المسلمين أن يولي ظهره فراراً، فمن فعل فقد باء بغضب من الله إلا أن يولي متحرفاً لقتال: وهو أن يكمن في موضع واحد ليكر عليهم، أو كان القتال في مضيق فيولي دبره ليتبعه العدو إلى موضع واسع فيسهل عليه القتال، أو متحيزاً إلى فئة: وهو أن يذهب إلى طائفة من المسلمين قليلة أو كثيرة قريبة أو بعيدة (?) ليستنجده فلا يأثم إذا كان قصده هذا.
وكان في ابتداء الإسلام إذا كان في مقابلة كل مسلم عشرة ما كان يجوز الفرار كما قال الله تعالى: {إِن يَكُن مِنّكُمْ عِشْرُونَ صَابِرونَ يَغِلبُوا مِائَتَيْن} (?) .
ثم خفف الله تعالى فأوجب على كل مسلم مصابرة اثنين (?) .
فقال: {الآنَ خَفّفَ اللهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنّ فِيكُمْ ضَعْفاً فإن يَكُن مِنْكُم مِائَةٌ صَابِرةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْن} (?) .
وقال ابن عباس: " من فرّ من ثلاثة فلم يفر، ومن فرّ من اثنين فقد فرّ " (?) .
وإن غلب على ظنهم أنهم إن ثبتوا لهم هلكوا وجهان:
أحدهما: لهم أن يولوا ظهورهم لقوله تعالى: {وَلاَ تُلْقُوا بِأيْديكُمْ إِلَى الّتْهلُكةِ} (?) .
والثاني: وهو الصحيح ليس لهم أن يولوا، لقوله تعالى: {إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا} (?) ؛ ولأن المجاهد إنما يجاهد لِيَقْتُلَ وَيُقْتَلَ.