فالمؤمنون وإن كانوا مشتركين في الخير بسبب الإيمان فإنهم يتفاضلون بالقوة، فمن كان أكثر قوة في إيمانه وفي الأسباب المؤدية إلى حماية الدين ونصره فهو خير وأحب إلى الله تعالى، فالطبيب المسلم الذي يؤدي شعائر دينه ويقوم بمداوة المسلمين من الأمراض العادية أو الجروح الناجمة عن المعارك الواقعة بينهم وبين أعدائهم أفضل من غيره في ذلك، والمسلم القوي في بدنه الذي يبذل نفسه للجهاد في سبيل الله خير من ضعيف البدن الذي لا يستطيع ذلك، وإن كتب الله له أجر نيته الحسنة، والمسلم الغني الذي يبذل ماله في مصالح المسلمين من بناء مساجد وتأسيس مدارس وإنشاء مستشفيات وتجهيز الغزاة في سبيل الله خير من الفقير الذي لا يستطيع ذلك، والتفاضل قد يكون نسبيا، كما ذكرت بأن يكون هذا أفضل من جهة وذلك أفضل من جهة أخرى كالطبيب غير المجاهد، والمجاهد غير الطبيب، وقد يكون مطلقا كالتفاضل بين مؤمنين، أحدهما ضعيف البدن ليس عنده مال يتصدق منه، بل هو في حاجة إلى الصدقة، ولا خبرة له بشيء من الأمور التي تعود على الإسلام بخير، وثانيهما قوي البدن يجالد الأعداء في الغزوات الإسلامية خبير بالطب يداوي جرحى المسلمين ومرضاهم، غني يتصدق ويجهز الغزاة في سبيل الله، وينفق في كثير من طرق البر والإحسان، فهذان المسلمان يشتركان في الإيمان ولكن أحدهما خير من الآخر لقيامه بكثير من مصالح المسلمين العامة. والسبب في ذلك القوة وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم المؤمنين على الرمي وأشار إلى أنه هو القوة، وقد ذم من رمى ونسي الرمي وأن معرفة الرمي نعمة من الله تعالى، ففي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم: " ألا إن القوة الرمي, ألا إن القوة الرمي, ألا إن القوة الرمي", وفي صحيح البخاري: "ارموا بني إسماعيل فإن أباكم كان راميا" وفي صحيح مسلم أيضا: "ارموا واركبوا وإن ترموا أحب إلي من أن تركبوا، ومن تعلم الرمي ثم نسيه فليس منا" وفي رواية: "فهي نعمة جحدها".