سادساً: أنّه أخبر بخلق السموات والأرض في ستة أيّام ثم استوى على العرش، وأخبر أنَّ عرشَه كان على الماء قبل خلقها، وثبت ذلك في صحيح البخاري عن عمران بن حُصين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "كان الله ولا شيء غيره، وكان عرشه على الماء، وكتب في الذِّكر كلَّ شيء ثم خلق السموات والأرض"، مع أنَّ العرش كان مخلوقاً قبل ذلك، فمعلوم أنَّه ما زال مستولياً عليه قبل وبعد، فامتنع أن يكون الاستيلاء العام هذا الاستيلاء الخاص بزمان كما كان مختصاًّ بالعرش.
سابعاً: أنَّه لم يثبت أنَّ لفظ استوى في اللغة بمعنى استولى، إذ الذين قالوا ذلك عمدتهم البيت المشهور:
ثم استوى بِشر على العراق
من غير سيفٍ ولا دم مهراق
ولم يثبت نقل صحيح أنَّه شعر عربي، وكان غير واحد من أئمة اللغة أنكروه، وقالوا: إنَّه بيت مصنوع لا يُعرف في اللغة، وقد علم أنَّه لو احتجّ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم لاحتاج إلى صحّته، فكيف بيت من الشعر لا يُعرف إسناده؟! وقد طعن فيه أئمة اللغة، وذُكر عن الخليل كما ذكره أبو المظفر في كتابه الإفصاح قال: "سُئل الخليل هل وجدتَ في اللغة استوى بمعنى استولى؟ فقال: هذا ما لا تعرفه العرب، ولا هو جائز في لغتها". وهو إمام في اللغة على ما عرف من حاله، فحينئذ حمله على ما لا يُعرف حمل باطل.
ثامناً: أنَّه روي عن جماعة من أهل اللغة أنّهم قالوا: لا يجوز استوى بمعنى استولى إلاَّ في حقِّ من كان عاجزاً ثم ظهر، والله سبحانه لا يعجزه شيء، والعرش لا يغالبه في حال، فامتنع أن يكون بمعنى استولى، فإذا تبيّن هذا فقول الشاعر:
ثم استوى بِشر على العراق
لفظ مجازي لا يجوز حمل الكلام عليه إلاَّ مع قرينة تدل على إرادته، واللفظ المشترك بطريق الأولى، ومعلوم أنَّه ليس في الخطاب قرينة أنَّه أراد بالآية الاستلاء.