بل زاد المعطِّلة على ذلك فجعلوا جحد الصفات وتعطيل الربّ عنها توحيداً، وجعلوا إثباتها لله تشبيهاً وتجسيماً وتركيباً، فسمّوا الباطل باسم الحق ترغيباً فيه، وزخرفاً ينفقونه به، وسمّوا الحقَّ باسم الباطل تنفيراً عنه، والناس أكثرهم مع ظاهر السكّة، ليس لهم نقد النقّاد.
ولا يأمن جانب الغلط في هذا الباب الخطير من لا يتعرّف على نهج السلف ويسلك طريقتهم، فهي طريقة سالمة مأمونة مشتملة على العلم والحكمة، وكلامهم في التوحيد وغيره قليلٌ كثيرُ البركة، فهم لا يتكلّفون، بل يعظِّمون النصوص، ويعرفون لها حرمتها، ويقفون عندها، ولا يتجاوزونها برأي أو عقل أو وَجْدٍ أو غير ذلك.
فهم بحقٍّ الأئمةُ العدول والشهود الأثبات، ولا يزال بحمد الله في كلِّ زمان بقايا منهم "يدعون من ضلَّ إلى الهدى، ويصبرون منهم على الأذى، يُحيون بكتاب الله الموتى، ويبصِّرون بنور الله أهلَ العمى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه، وكم من ضالٍّ تائهٍ قد هدوه، فما أحسن أثرهم على الناس وأقبح أثر الناس عليهم، ينفون عن عباد الله تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين، الذين عقدوا ألوية البدعة، وأطلقوا عِقال الفتنة، فهم مختلفون في الكتاب، مخالفون للكتاب، مجمعون على مفارقة الكتاب، يقولون على الله، وفي الله، وفي كتاب الله بغير علم، يتكلّمون بالمتشابه من الكلام، ويخدعون جهّال الناس بما يشبّهون عليهم، فنعوذ بالله من فتن المضلّين".