ولا ريب أنَّ العلم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته وأفعاله أجَلُّ العلوم وأفضلُها وأشرفُها، ونسبة ذلك إلى سائر العلوم كنسبة معلومه إلى سائر المعلومات، والعلم به – سبحانه - هو أصل كلِّ علم، وهو أصل علم العبد بسعادته وكماله ومصالح دنياه وآخرته، والجهل به مستلزم للجهل بنفسه ومصالحها وكمالها وما تزكو به، فالعلم به – سبحانه - عنوان سعادة العبد في الدنيا والآخرة، والجهل به أصل شقاوته في الدنيا والآخرة، ومن عرف الله عرف ما سواه، ومن جهل ربّه فهو لما سواه أجهل، قال الله تعالى: {وَلاَ تَكُونُوا كالَّذِينَ نَسُوا اللهَ فَأَنسَاهُمْ أَنفُسَهُمْ} ، وقد دلّت هذه الآية على معنى شريف عظيم، وهو أنَّ من نسيَ ربَّه أنساه ذاتَه ونفسَه فلم يعرف حقيقته ولا مصالحه، بل نسي ما به صلاحه وفلاحه في معاشه ومعاده فصار معطَّلاً مهملاً.
ولهذا فإنَّ العناية بفهم هذا العلم وضبطه وعدم الغلط فيه أمر متأكّد على كلِّ مسلم، وقد كان أئمّة المسلمين، الصحابة ومن تبعهم بإحسان على نهجٍ واحدٍ في هذا العلم وعلى طريقة واحدة، ليس بينهم في ذلك نزاع ولا خلاف، "بل كلُّهم [بحمد الله] على إثبات ما نطق به الكتاب والسنة كلمةً واحدةً من أوّلهم إلى آخرهم، لم يسوموها تأويلاً، ولم يحرّفوها عن موضعها تبديلاً، ولم يُبدوا لشيء منها إبطالاً، ولا ضربوا لها أمثالاً، ولم يدفعوا في صدورها وأعجازها، ولم يقل أحدٌ منهم يجب صرفها عن حقائقها وحملها على مجازها، بل تلقّوها بالقبول والتسليم، وقابلوها بالإيمان والتعظيم، وجعلوا الأمر فيها كلَّها أمراً واحداً، وأجرَوْها على سنن واحد، ولم يفعلوا كما فعل أهل الأهواء والبدع حيث جعلوا القرآن عِضين، وأقرّوا ببعضها وأنكروا بعضَها من غير فُرقان مبين".