وقال أيضاً: "إن الكتابة على الحجارة والحيوان وكتب العلم أقوى من هذه الأمارات بكثير، فهي أولى أن يثبت بها حكم تلك الكتابة، ولاسيما عند عدم المعارض، أما إذا عارض ذلك بينه لا تتهم، ولا تستند إلى مجرد التبديل بذكر سبب الملك واستمراره فإنها تقدم على هذه الأَمارات" [65] .
وإذا نظرنا إلى حاجة الناس إلى التوثيق في عصرنا الحاضر وجدناها حاجة ماسة، لا يمكن الاستغناء عنها بحال من الأحوال، لدفع الحرج والمشقة عنهم في عصر كثرت فيه المعاملات المالية بين الشعوب في شتى القارات الست، وتشعبت صورها، وتعددت حالاتها، وأصبح العالم اليوم قرية واحدة -كما يقولون-.
فلو لم يكن التوثيق للحقوق في شتى صورها اليوم معتمداً، لتعطلت مصالح الدول والأفراد، وضاعت الحقوق والأموال؛ لعدم الثقة بالشهود، بل الثقة اليوم بالمكتوب، ولوجدوا من المشقة والحرج مالا يعلمه إلا الله، وقواعد الشريعة الخالدة الباقية إلى يوم القيامة ترفع الحرج والمشقة، وتقول: "ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مطلقاً" [66] .
فاليوم لا تستطيع أن تشتري أدنى بضاعة، من أدنى محل تجاري، إلا بسند كتابي، ولا تستطيع أن تخرج ببضاعتك إلا بإذن مكتوب من صاحب الحق (فاتورة) .
فحاجة المتعاملين بالنقد أو الدين في عصرنا الحاضر داعية إلى اعتماد التوثيق، واعتباره من الحاجات الخاصة التي تنزل منزلة الضروريات في القواعد الفقهية، والحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة [67] .