"فولاية الحرب في عرف هذا الزمان في هذه البلاد الشامية والمصرية تختص بإقامة الحدود التي فيها إتلاف، مثل قطع يد السارق، وعقوبة المحارب، ونحو ذلك، وقد يدخل فيها من العقوبات ما ليس فيه إتلاف كجلد السارق، ويدخل فيها الحكم في المخاصمات والمضاربات، ودواعي التهم التي ليس فيها كتاب ولا شهود، كما تختص ولاية القضاء بما فيه كتاب وشهود، وكما تختص بإثبات الحقوق والحكم في مثل ذلك، والنظر في حال نُظَّار الوقوف، وأوصياء اليتامى، وغير ذلك مما هو موقوف، وفي بلاد أخرى كبلاد المغرب، ليس لوالي الحرب حكم في شيء، وإنما هو منفذ لما يأمر به متولي القضاء، وهذا اتباع للسنة القديمة" [13] .
فيستفاد من ولاية القضاء في كل قطر ما جرت به العادة واقتضاه العرف، وهذا هو التحقيق في هذه المسألة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
واستشهد الإمام ابن فرحون على صحة ما ذهب إليه الإمام ابن القيم بذكر واقعة تاريخية فقال: "وقد جمع للقاضي أبي العباس عبد الله بن أحمد بن طالب -قاضي أفريقيا- النظر والولاية" [14] .
فهذا القاضي له ولايات متعددة ولم يحصره ولي الأمر بالقضاء بل أطلق يده في كل الولايات، وهذا جائز شرعاً وعرفاً، ولا حجر في الاصطلاح الشرعي لمصطلح الولاية.
ولاية التوثيق ولاية كاملة أم جزئية:
مرَّ معنا أن الولاية الشرعية لا حدَّ لها في الشرع المطهر، فقد تكون في بعض العصور ولاية تامة كاملة، وقد تكون في بعض العصور ولاية جزئية متحدة مع بعض الولايات الشرعية الأخرى كالقضاء، وهذا ما رجحه بعض الأئمة كالإمام ابن تيمية وابن القيم وابن فرحون وغيرهم وقالوا: لا حد لها في الشرع المطهر، بل ذلك راجع إلى العرف والعادات والمصالح الراجحة، وما قيل عن بعض الولايات الشرعية، ينطبق على ولاية التوثيق، وهذا يعرف من خلال الاستقراء لبعض النصوص التاريخية كشواهد علمية لما ذهبت إليه.