فلا تصلح أساساً للوحدة، حيث تستحيل عادة إلى سآمة وملل، وتنتهي إلى مصارمة وجفاء، وبهذا فإن المال والعاطفة لا يصلحان أساسين لبناء الوحدة كما قال تعالى: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} [2] ومن شواهد حكمته.

عنايته ببناء الهجر وتوطين البادية فيها، مما مكنه من جمعهم وتربيتهم وفق مضامين العقيدة الصحيحة، مما أدى إلى إقبال سكان الهجر على الجهاد في سبيل الله بالمال والنفس، في أي وقت يطلب منهم الملك الإمام، فأصبحوا جنود التوحيد، مما يعد تحولاً جذرياً في حياتهم صيرهم نحو التمسك بالإسلام الحق، وصرفهم عن مسلكهم السابق إلى غير رجعة - بفضل الله- ومن صور حكمته تعامله بأناة ولباقة، مع أحداث عصره، فإبان الحربين العالميتين لازم جانب الحياد، مراعياً حساسيات المواقف الدولية مما جنب وطنه وشعبه ويلات الحرب، يقول الملك فيصل - رحمه الله - في حج عام 1359هـ: "ولا يجهل أحد ما فيه العالم اليوم من نكبات ومحن، حتى البلاد التي لم تشترك في الحرب، لا تخلو من أزمات اقتصادية وغيرها، أما نحن فلله الحمد من أسعد الناس وهذا لا شك من نعم الله التي تستوجب الشكر" [3] ووسط آتون الحرب والصراع المحتوم بين الدول الكبرى على مناطق النفوذ، والسيطرة على الممرات المائية وطرق الملاحة، بدت سياسة الملك الإمام، تتسم بالهدوء والواقعية، دون المساس بعقيدته ومصالح بلاده العليا، مهتماً في ذات الوقت، بحسن الاستعداد، في كل عمل يقوم به، مبتعداً عن الإرتجالية، مع صرف الهمة إلى حسن التنظيم والدقة وتوقع المفاجآت والإعداد لها بلباقة وحزم، وتلك غيض من فيض حكمته، التي لا يتسع المقام لاستقراء شواهدها وصورها. وحسبنا الإشارة إلى بعضها فيما تقدم ذكره.

المبحث الثاني: اللطف واللين:-

طور بواسطة نورين ميديا © 2015