اصطبغت تطبيقات الملك الإمام عبد العزيز -رحمه الله- في سبيل تحقيق الوحدة بالحكمة قلباً وقالباً، علماً وعملاً، ترسخت في نفسه وتأصلت في نهجه، وغدت ملكة طيعة في متناول يده، وجاءت قراراته مناسبة لمقتضى الحال، ومن شواهد حكمته، انطلاقه من الكويت بقوة صغيرة محدودة العدد، لم يفطن لحركتها ولا ترصد مسيرتها وإن كان باستطاعته تجنيد العدد الكبير من أفراد القبائل، واستدراجها تحت مظلة المغنم والغزو والنهب، مما يألفه العرب في ذلك الوقت ولا سيما الموتورون والفقراء، وما أكثرهم يومئذ!! ولكنه آثر إخفاء أمره، وتعمية مقصده، بعيداً عن الأنظار، ليقينه بنجاح مهمته فكان ذلك آية حكمته، ودليل بصيرته، مما مكنه - بفضل الله - من فتح الرياض، واستسلام حاميتها، وشروعه مباشرة، في بناء التحصينات الدفاعية، حول الرياض في خلال شهر [1] ومن دلائل حكمته، عنايته بالعقيدة وجعلها محور دعوته إلى الوحدة وركيزتها حرصاً على إصلاح المنهج، وسلامة المقصد، وضماناً للنجاح، حيث أن النفوس لا تخلص من أهوائها، وتنسلخ من غلوائها، إلا بالعقيدة الصحيحة التي من شأنها توحيد الرؤى وحشد العواطف والطاقات، نحو أهدافها السامية وغاياتها النبيلة، مما يصرف عن العثار ويحقق النصر المؤزر -بإذن الله - وهذا ما سار عليه آباء الملك الإمام من قبل، فكانت تجربة سعودية متوارثة، اقتداء بالسلف الصالح، فقد ثبت بالبرهان، أن أي جهد في الإصلاح، بمعزل عن العقيدة الصحيحة مآله الفشل، ونهايته الخسران، فمن المحال جمع القلوب على المصالح الدنيوية، مهما كانت ضخامتها، وعظيم امتيازاتها، فإنها ببساطة لا تستوعب الناس جميعاً إلا حفنة من المنتفعين الذين سرعان ما تتعارض مصالحهم، ويحل بعضهم بعضاً موضع النقمة والنقد اللاذع، الذي يؤول طبيعياً إلى طلب التشفي والانتقام، فتنفرط عقدتهم، وتزول ألفتهم، وتغدوا تلك المصالح علة الشقة وعامل الشقاق والخلاف، وأما العواطف، وإن تأجج أوارها