لا أريد في حياتي أن أسمع عن مظلوم ولا أريد أن يحملني الله وزر ظلم أحد، أو عدم نجدة مظلوم، أو استخلاص حق مهضوم، ألا قد بلغت، اللهم فاشهد" [25] ونلاحظ في هذا البلاغ التأكيد الجازم على رفع المظالم، إلى مقام الملك الإمام، دون عائق أو تدخل من جهة رسمية أو غيرها متخذاً من التحذير الشديد، أسلوباً واضحاً لطمأنة المواطنين بأن شكاياتهم، ستجد طريقها إلى الحل، دونما إخلال بفحواها أو تغيير ألفاظها أو تخفيف لهجتها، وستنقل كما هي بنصها، معلناً أنه سينصف المظلوم من الظالم، مهما كان مصدر الظلم أو جهته، وليس من شك في تأثير هذا البلاغ وانعكاسه على تقوية الوحدة وتماسكها إذ يجد الناظر بين دفتي البلاغ العدالة ناطقة والنصفة راسخة، والبراءة من الظلم صرخة مدوية، وتلك أسباب بناء العمران البشري، والاستقرار البشري على مر العصور. وأما خطبه فجاءت مفعمة بالصدق طافحة بالإخلاص، تسرى روح الإيمان إلى قائلها فضلاً عن سامعها، فقد أعطي أزمة الفصاحة وأعنة البلاغة، مع صدق اللهجة، والبعد عن التكلف والتصنع يقول أحد معاصريه، والمقربين منه "لم يكن يهيئ الخطبة كما يفعل أكثر الناس ويعرف أنه يخطب، إلا من ارتفاع صوته هادراً، يتحدث حين يخطب منطلقاً على سجيته، غير متأنق ولا متكلف، ويتناول الموضوع، فإن كان عادياً تكلم هادئاً متمهلاً، تتخلل قوله ابتسامة خفيفة، يجتذب قلوب سامعيه وإن لم تكن الابتسامة، فليس هناك عبوس ولا تجهم، أما إذا كان الموضوع لأمر جلل، فكان الخطيب حقاً، المتجهم المزمجر، لا يتلكأ ولا يتعلثم ولا يتمتم ولا يجمجم، وإذا كان في الخطباء، من يدركه العثار حين يستثار، فالملك عبد العزيز كان أبين ما تراه حين يجد الجد ويقندح الزند، فكان عجباً في سرعة الخاطر إذا تحدث، وفي قول الحجة إذا أراد الإقناع" [26] ومن نماذج خطبه العظيمة، ما ألقاه في زيارته إلى المدينة النبوية حيث قال: "إننا نبذل النفس والنفيس في سبيل راحة هذه