لا ينكر بحال، أثر تبادل الآراء، وغربلتها في استخلاص النتائج الصحيحة والسلامة من عثرات الرأي الفطير الذي يؤدي دائماً إلى النتائج العكسية، ولا جرم أن اجتماع ذوي الرأي والمشورة مفتاح كل المعضلات، وتفادي كثير من الأزمات، التي مردها الانغلاق والاعجاب بالذات، ولم تغب هذه الحقائق عن ذهن الملك الإمام عبد العزيز – رحمه الله – الذي مرت جهوده نحو الوحدة، ونبذ الفرقة بعدد من المشكلات المتكررة، مما حمله إلى دعوة أهل الحل والعقد عند ظهور بوادر أزمة أو استفحالها، جمعاً للقلوب، ودفعاً للشبهات والأراجيف والدعايات الكاذبة، ومن أول تلك المؤتمرات ما تم في سنة 1320هـ. حين حضر العلماء وكبار رجالات الرياض وأعيانها بعد صلاة الجمعة وأعلن فيه الإمام عبد الرحمن الفيصل – رحمه الله – نزوله عماله من حقوق الإمارة لكبير أبنائه عبد العزيز، وأهدى إليه سيف سعود الكبير، نصله ومنصبه محلاة بالذهب وقرابه مطعمة بالفضة، وفي سنة 1345هـ دعا الملك الإمام إلى مؤتمر لزعماء الإخوان عقده في الرياض، شرح فيه سياسته ومنهجه في الاصلاح، ورد فيه على جميع الشبهات والأكاذيب فوصف نفسه بأنه خادم الشريعة، والمحافظ عليها، وأنه هو الذي يعهدونه من قبل لم يتغير كما يتوهم بعض الناس، ولا يزال ساهراً على مصالح العرب والمسلمين. وفي سنة 1347هـ. دعا إلى مؤتمر في الرياض حضره 347 من العلماء والزعماء، ورؤساء الحواضر والبوادي، عدا من انضم إليهم من كبار رجالاتهم حتى قدر عدد الجميع بثمان مائة، وافتتح المؤتمر في جمادى الأولى بخطبة ارتجلها قال فيها: "أيها الإخوان، تعلمون عظم المنة التي منّ الله بها علينا بدين الإسلام إذ جمعنا بعد الفرقة، وأعزنا به بعد الذلة، واذكروا قوله تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ} [17] الآية، إن شفقتي عليكم وعلى ما منّ الله به علينا، خوفي من تحذيره سبحانه وتعالى بقوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ