اقتضت ضرورة المرحلة، إلزام الملك عبد العزيز – رحمه الله – اقتحام لجج المخاطر ولجب المهالك، وركوب الصعب والذلول، لإزالة العقبات الصادة والسدود المانعة أمام الكبرى، مما ليس منه بد فقد بدأ بقوة صغيرة – زهاء أربعين رجلاً – خرج بهم من الكويت على حين غفلة من أعين أعداءه وهو لا يشك أبداً في نجاح أعدائه مهمته، المتمثل في إزالة رمز سلطة ظالمة، وطغمة حاكمة، أطبقت بكلكلها على رقاب العباد، ولم تراع حرمة، أو تحفظ حقاً؛ وبمجرد أن سمع الناس صوت الصارخ بعد فتح الرياض الملك لله ثم لعبد العزيز – إلا وانعطفوا إليه انعطاف الأم الرؤوم على ابنها المفقود، وأقبلت الرياض بعلمائها وأعيانها فرحين مستبشرين، بعهد جديد، طال انتظاره، ولما عظمت مسؤولية التحدي أمام جهود الملك الإمام، وأقبلت قوى الشر بقضها وقضيضها، اضطر إلى مقابلة القوة بمثلها على قدر استطاعته وإمكانياته، يقول الأمير نايف بن عبد العزيز – حفظه الله – عن الملك الإمام: "لم يثن عزيمته، قلة ما معه من عتاد ولا تردد في إنفاذ مسيرته الفذة، رغم قلة العدد من الرجال، ولا توقع الاستحالة في اجتياز الفيافي والجبال، بل اندفع بقوته وقدراته المحدودة مستمداً العون من الله الذي آزره وقواه – من إرادته حتى واجه التحديات المختلفة، وفرق الخصوم والحشود بلا تردد ولا خوف" [1] ولم يكن ذلك حباً في الحرب، وتعلقاً بها حيث قال: "لست من المحبين للحرب وشرورها وليس أحب إلي من السلم والتفرغ للإصلاح" [2] . مما يدل على أن الحرب كانت ضرورة، دفع إليها دفعاً، ولم يلجأ إليها إلا بعد استنفاذ كافة الوسائل.