وبعد ذلك كله قد أقامت هذه الأمة المؤمنة المتحابة المطبقة لتعاليم الإسلام -على نفسها- رقيباً منها يتعهد أفرادها وجماعاتها بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث لا يدع مجالاً يدخل منه ما يفسد البنيان الواحد الذي يشد بعضه بعضاً، ويتألَّم لآلام بعضه الآخر، ويراقب بعضه أعمال بعض، فيثبت ما فيها من خير، ويعمل على تقويته وزيادته، ويدفع عنها الشر ويعمل على منعه ويسد منافذه.
إنَّ أمّةً تكون بهذه الصورة لا شكَّ أنَّها تستحقق النصر والتمكين في الأرض، ويتحقّق فيها ما وعد الله عليه بالنصر والعاقبة الحميدة وهي أقرب ما تكون إلى مَنْ قال الله -تعالى- فيهم: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم: 6] ، وقوله -تعالى-: {بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ. لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ} [الأنبياء: 26-27] .
وقد سبق أنَّ تطبيق دعائم التمكين قد تحققت في عهد الرسول -صلى الله عليه وسلم- وخلفائه من بعده، وهي ثمار ونتائج لم تتحدد بزمان أو مكان، وإنَّما علقت بوجود شروطها، فمتى توافرت الشروط ترتبت عليها الثمار، وتحقق الوعد بالتمكين في الأرض. ومن خلال دراسة هذا الموضوع وبيان جهود الملك عبد العزيز -رحمه الله- وأبنائه من بعده في تقرير وتطبيق دعائم التمكين في الأرض على أنفسهم ورعيتهم، نحسب أنَّ أولئك الحكَّام المسلمين الذين مكَّن الله لهم في الأرض يدخلون فيمن عناهم الله -تعالى- بقوله: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُورِ} [الحج:41] .