والمحققون من أهل الأصول على أن عدم تأثير العلة إن كان لوجود مانع من التأثير أو انتفاء شرط التأثير فوجودها مع تخلف الحكم لا ينقضها ولا يقدح فيها وخروج بعض أفراد الحكم حينئذ تخصيص للعلة لا تقض لها كالقتل عمدا عدوانا فانه علة القصاص إجماعا ولا يقدح في هذه العلة تخلف الحكم عنها في قتل الوالد لولده لأن تأثيرها منع منه مانع هو الأبوة وأما إن كان عدم تأثيرها لا لوجود مانع أو انتفاء بشرط فانه يكون نقضا لها وقدحا فيها ولكن يرد على هذا التحقيق ما ذكره بعض العلماء من أن قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّه} علة منصوصة لقوله: {وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُم} الآية, مع أن هذه العلة قد توجد ولا يوجد ما عذب به بنو النضير من جلاء أو تعذيب دنيوي وهو يؤيد كون النقض تخصيصا مطلقا لا قدحاً. ويجاب عن هذا بأن بعض المحققين من الأصوليين قال: إن التحقيق المذكور محله في العلة المستنبطة دون المنصوصة وهذه منصوصة كما قدمنا ذلك في أبيات مراقي السعود في قوله:
وليس فيما استنبطت بضائر ...
إن جاء لفقد الشرط أو لما منع
هذا ملخص كلام العلماء وحججهم في المسألة, والذي يظهر رجحانه بالدليل هو الجمع بين الأدلة؛ لان الجمع واجب إذا أمكن بلا خلاف كما أشار له في المراقي بقوله: والجمع واجب متى ما أمكنا..الخ..