فإذا صام المسلم شهرا كاملا صارت التقوى ملكه في نفسه تتحكم في سلوكه، وتسيطر على أحاسيسه، وتوجهه نحو الخير، وتذكره بالرقيب الأعلى فيحيا الضمير الإنساني ويقوى الوازع النفسي، ويحظى المجتمع بالأفراد الصالحين، والمواطنين المخلصين العاملين لوطنهم ومجتمعهم في حزم وعزم يؤدون الواجب, ويحسنون الإنتاج، ويسهمون في الخير ويقاومون الفساد، ويجتنبون الشر، ويبرؤون بأنفسهم عن الخيانة والغش، ويحاربون التبذير والإسراف، ويقفون في وجه المحتكر اللعين، والمستغل الجشع، عندئذ تطيب الحياة وتصفوا الموارد، ويسعد المجتمع أفراد وجماعات.

إن الصوم الذي فرضه الله علينا بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} ,ليس معركة مبهمة ضد الجسم ولكنه خطة واضحة المعالم تهدف إلى تطهير النفس، وتزكية القلب، وتقوية الروح، وتعديل السلوك لتسير في الحياة على نهج قويم، وخلق كريم، وصدر رحيم، ونفس راضية مطمئنة تحب الخير وتصنع المعروف، وتنأى عن الشر، وتقاوم المنكر فيحفظ كل صائم لسانه عن السباب المرذول, ميصونه عن الفاحش من القول والسافل من المجون، ويترفع عن عورات الناس ومثالبهم فلا يبحث عن أسرارهم، ويجري وراء أخبارهم لينشرها بين عامة الناس وخاصتهم حتى تصبح خبرا مشاعا وحديثا مذاعا وبذلك ينال من كرامتهم ويحط من سمعتهم.

إن الصوم الكامل المقبول المثاب عليه لا يتفق مع الأخلاق الوضيعة، ولا يلائم الأفعال الدنيئة التي لا تصدر إلا عن قلوب مريضة، ولكنه يحتاج إلى صفات مثالية رفيعة، ونفوس شافة بريئة تصنع الخير، وتألف الإحسان تمقت الإثم، وتكره الظلم وتحب العدل، وتجنح إلى السلم وتحارب الشر في مختلف صوره لأنه يقطع الصلة، ويمحق المحبة ويزيل المودة، ويمزق الأسر، ويفرق الجماعة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015