الصوم بما فيه من تطهير للروح، وتزكية للنفس، وتهذيب للخلق، وتقويم للسلوك، يربي الإرادة الحرة، ويقوي العزيمة الصادقة، ويشعر الإنسان بمراقبة الله له في خلواته ومجتمعاته لأنه سر خفي بين المرء وربه, ولذا أضافه المولى جل وعلا إلى ذاته كما جاع في حديث قدسي: "كل عمل ابن آدم له إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به".
فإذا أيقن الصائم أن الله الذي لا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء يطلع عليه ويراقبه في غدواته وروحاته، ويحصي عليه كل تصرفاته، ويسجل له أو عليه كل حسناته وسيئاته في كتاب لا يغادر كبيرة ولا صغيرة إلا أحصاها قويت صفة المراقبة في نفسه, وعدل سلوكه في الحياة طمعا في رحمة الله ورجاء في ثوابه، وخوفا من عقابه، ورغبة في التقوى التي جعلها الله شعار المؤمنين، وثمرة صيام الصائمين حيث قال في كتابه الكريم: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
إن التقوى التي جعلها الله سبحانه هدفا من أهداف الصوم، وثمرة من ثماره قدر مشترك بين جميع العبادات. ولكن الصوم أخذ منها نصيبا كبيرا وحظا وافرا أنه جاوز الدائرة التي تقف عندها العبادات الأخرى التي تنم بالكف عن المحرمات وأضاف إليها نوعا جديدا يظهر في الكف عن الحلال والمباح، والامتناع عن مقومات الحياة من طعام شهي، وشراب سائغ.