علماً بأن المملكة كانت تمر بأزمة مالية واقتصادية شديدة أثناء ذلك العرض حتى اضطرت للاقتراض، وذلك قبل تصدير البترول، وكذلك الدولة العثمانية حينما عرض هيرتزل على السلطان عبد الحميد، كانت هي الأخرى تمر بضائقة مالية شديدة، ومع ذلك لم يقبل كلا الزعيمين المسلمين رشوة اليهود،وفشلت مساعيهم السيئة، وفضحهم الله وكشف وسائلهم الخطيرة بقوة الإيمان وصدق التوكل وحسن المعتقد ورباطة الجأش. وكانت القضايا العربية والإسلامية هي الشاغل الأساسي للملك عبد العزيز وهاجسه الذي يؤرق مضجعه، لذلك لم يقف الملك عبد العزيز عند حد تأييده لقضية فلسطين ومواقفه المشهودة في ذلك، بل شمل القضايا التي تخص سوريا ولبنان، وكذلك قضية مصر حيث وقف وراءها حينما اشتد الخلاف بينها وبين انجلترا سنة 1947م، عندما كانت تطالب بالجلاء التام عن بلادها بعد أن انضمت إلى الأمم المتحدة، وأصبحت عضواً من أعضائها، وكان له رأي ـ أيضاً ـ في مشكلة السودان مع مصر وبريطانيا، حيث رأى أن يترك للسودانيين حق تقرير مصيرهم بأنفسهم،كما كان يدعم الحركات العربية والإسلامية التحررية ضد الاستعمار الغربي مادياً ومعنوياً ويحرص على ذلك، كدعمه للنضال التونسي ضد الاستعمار الفرنسي، ولمصر ضد الإنجليز، ولليبيا ضد الاستعمار الإيطالي، لأنه كان يكره أي نفوذ أو خضوع أو استعمار للأجنبي، ولما اضطر ـ رحمه الله ـ لإبرام معاهدة القطيف أو دارين مع بريطانيا، ضاق بها ذرعاً ولم يكن يتمسك ببنودها إلا قليلاً، حتى نجح في إلغائها في معاهدة جدة سنة 1345هـ، وهذا يدل على حرصه الشديد على استقلال بلاده من أي نفوذ أجنبي، ولذا كان يقول: "لا نقبل المساومة في مسألتين: دين الله واستقلال البلاد، ولو قاتلنا أهل الأرض كلهم عليهما".