ويقول أيضاً: " وما هو الطريق الذي اتفق عليه المسلمون، وجاهدوا فيه وتأخرت عنهم؟ .. أنا أتأخر وأتقدم بقدر الحاجة، ولا أعمل عملا أخرب به بلادي" [51] .
وفي هذا الرد البليغ، الذي يصدقه الواقع، على الذين يتهمونه -رحمه الله- ظلما، بأنه إنما قاتل لأنه طالب ملك دنيوي، وترك القتال في سبيل الله، خوفاً على ملكه.
والحقيقة أنه قاتل وجاهد في سبيل الله لئلا تكون فتنة، بعدم الجماعة، دولة التوحيد، المملكة العربية السعودية، وترك مواصلة القتال، لما رأى أن الفتنة تكمن في مواصلة القتال، لإلزام جميع المسلمين، بالدخول في الجماعة، والسمع والطاعة وإقامة الخلافة وإمامتها العظمى، وأن ذلك يجر من الشر ما هو أعظم من تركه، بعد أن قام عبد العزيز بما يجب عليه قدرا وشرعا، من إنقاذ مهد الإسلام، ومشرق نوره، مكة والمدينة، وبسط الأمن والاستقرار في ربوعهما، وتأمين الحاج والزائر، وإقامة وحدة المملكة على التوحيد، نواةً لوحدة المسلمين العظمى، ومثالاً لقدوتهم، إن هم أرادوا، ورفعوا عنهم ركام الجهل، بالقرآن والحكمة، واجتنبوا الظلم بعدل السنة النبوية، ففي إكراههم على الوحدة العظمى مفسدة راجحة، حرب أهلية بين المسلمين مدمرة، وقتال فتنة يستطير شرها، ويعم جميع المسلمين، فدرأ عبد العزيز ـ رحمه الله ـ أعظم الشرين باحتمال أدناهما، وانصرف لبناء وحدة مملكته، وترسيخ دعائمها على تحقيق مفهوم الجماعة، المستمسكة بالكتاب والسنة، وإقامة التوحيد الخالص، ونبذ الشرك بعبادة الله تعالى، وإن خالفها من خالفها من الفرق الإسلامية المفارقة وناوأها، فإن ذلك لا يضيرها ولا يضرها، بمشيئة الله تعالى، كما قال صلى الله عليه وسلم: "لا تزال من أمتي أمة، قائمة بأمر الله لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتيهم أمر الله وهم على ذلك " [52] .