قال ابن كثير: وفي رواية ابن جرير قال صلى الله عليه وسلم: "يا عم! إني أريدهم على كلمة واحدة يقولونها، تدين لهم بها العرب، وتؤدي إليهم بها العجم الجزية "، ففزعوا لكلمته ولقوله، فقال القوم: كلمة واحدة! نعم وأبيك عشرا! فقالوا: وما هي؟ وقال أبو طالب: وأي كلمة هي يا ابن أخي؟ قال صلى الله عليه وسلم: "لا إله إلا الله "، فقاموا فزعين ينفضون ثيابهم وهم يقولون "أجعل الآلهة إلها واحدا؟ إن هذا لشيء عجاب "قال ابن كثير: ورواه أحمد والنسائي والترمذي، وقال الترمذي: حسن [27]
والشاهد من الحديث قوله صلى الله عليه وسلم لمشيخة قومه: "لا إله إلا الله "، "كلمة تدين لكم بها العرب، وتملكون بها العجم، أو تؤدي لكم بها العجم الجزية ".
يعني أن العرب إنما تدين بالسمع والطاعة لأهل التوحيد، وبالتوحيد يكون العرب أئمة وملوكاً، وهذا هو ما يشهد به الواقع التاريخي!
فلقد كانت العرب تأنف أن يعطي بعضها بعضا طاعة الإمارة، كما قال الشافعي رحمه الله: "كل من كان حول مكة من العرب لم يكن يعرف إمارة، وكانت تأنف أن يعطيَ بعضُها بعضاً طاعةَ الإمارة" [28] .
"فلما دانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم بالطاعة، لم تكن ترى ذلك يصلح لغير الرسول صلى الله عليه وسلم فأمروا أن يطيعوا أولي الأمر، الذين أمَّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، لا طاعة مطلقة، بل طاعة مستثناةً، فيما لهم وعليهم " [29] .
فقال الله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} يعني ـ والله أعلم ـ إلى ما قال الله والرسول، فإن لم يكن فيما تنازعوا فيه قضاءٌ نصاً فيهما ولا في واحد منهما، رُدوه قياساً على أحدهما [30] .