وكل من سكن أوربة وعرف الحجاز في هذه الأيام يحكم بأن الأمنة على الأرواح والأعراض والأموال في البقاع المقدسة هي أكمل وأشمل وأوثق أوتاداً وأشد أطناباً منها في الممالك الأوربية والأمريكية. فها هو ذا ابن سعود قد ضبطها بأجمعها في مملكته الواسعة، ومحا أثر الغارات والثَّارات بين القبائل، وأصبح كل إنسان يقدر أن يجوب الصحاري وهو أعزل، ويدخل أرض كل قبيلة دون أن يعترضه معترض، أو يسأله إلى أين هو غاد أو رائح، ولو قيل لبشر إن بلاداً كان ذلك شأنها من الفزع والهول وسفك الدماء وقطع الطرق قد مرد أهلها على هذا البغي وهذا العدوان من سالف الأزمان، وأنه يليها ابن سعود فلا تمضي على ولايته لها سنة واحدة حتى يطهرها تطهيراً ويملأها أمناً وطمأنينة لظن السامع أنه يسمع أحلاماً أو خرافات أو اتهم القائل في صحة عقله.
ولكن هذا قد صار حقيقة كلية وقضية واقعية في وقت قصير، وما أوجده إلا همة عالية، وعزيمة صادقة، وإيمان بالله، وثقة بالنفس، وعلم بأن الله تعالى مؤيد من أيده، ناصر من نصره، يحث على العمل، ويكافئ العامل، ويكره اليأس، ويقول لعباده {وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ} [18] .
وقد سرت بشرى الأمان الذي شمل البلاد المقدسة الحجازية فعمت أقطار الإسلام وأثلجت صدور أبنائه وارتفعت عن الحجاز تلك المعرة التي طالما وجم لها المسلمون وذلك بقوة إرادة الملك عبد العزيز بن سعود والتزامه حدود الشرع [19] .
ويقول الملك عبد العزيز رحمه الله أمام المؤتمر الوطني: "إن التقصير واقع وأنا مسؤول عن هذا التقصير ولا أستطيع أن أهمل هذا الأمر، وقد كلفت بالبحث فيه حيناً هيئة الشورى، وحيناً هيئة التحقيق، ولكننا لم نصل إلى نتيجة حاسمة فيجب أن تنظروا في هذه الأمور" [20] .