إن قضية التوحيد هي جوهر الأديان، ولب الملل، وأصل الإسلام، وهي ما تميز الأمة الإسلامية عن غيرها من الأمم غير الإسلامية السابقة أو المعاصرة، وبعد ذلك تأتي قضية تزكية النفس، وتقويم السلوك بإقامة فريضة الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وهذا الواجب هو الوسيلة العظيمة في الإسلام لإصلاح المجتمعات الإسلامية، ومراقبة تطورها إلى الأفضل في كل العصور.
ولم يكن الملك - رحمه الله - مجرد داعية من الدعاة إلى الله، بل كان ولي أمر المسلمين في المملكة العربية السعودية، وهي الولاية العامة، والإمامة العظمى؛ وكان اهتمامه بالأمة الإسلامية كلها، وبالمسلمين جميعاً في أنحاء الأرض، مما يجعل ضمن مهماته النظر في شأن الأمة الإسلامية كلها، وما ينوبها من أحداث؛ ولذلك تضمن خطاب الملك الدعوي: قضية وحدة الأمة الإسلامية، التي أمر الله بها في قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا} [آل عمران103] .
وهذه القضايا الثلاث: توحيد الله تعالى وإفراده بالعبادة، والتحذير من الشرك الأكبر، والأصغر، وقضية: تزكية نفوس المسلمين على هدي الإسلام، وقضية العمل على توحيد الأمة الإسلامية، وجمع كلمتها، هي التي استأثرت بجملة خطاب الملك الدعوي في مراحل جهاده كلها، والملك وإن كان ضمن مسؤولياته التوجيه، والإشراف على عمل الدعاة إلى الله، إلا أنه كان نمطاً فريداً من الملوك، والرؤساء، وأولي الأمر في العصر الحديث، حين جمع في قيادة شعبه، وتوجيهه بين أمر السلطان، ونصح الداعية والإمام، لقد فعل ذلك؛ لتميزه في النشأة الدينية الخالصة منذ الصغر، ولأنه سليل الأسرة السعودية التي أقامت دولتها على هدي القرآن منذ البداية، فلم يكن غريباً أن يتميز الملك عبد العزيز، رحمه الله، بين ملوك البلاد الإسلامية، وقادتها بخطابه الديني، والدعوي، وأن يتضمن هذا الخطاب أهم ما يشغل المسلم، الفرد والأمة.