بين الله تعالى في كتابه الكريم: أن الغاية من وجود الإنسان، وخلقه، هي إفراد الله تعالى بالعبادة، وإخلاص الوجه، والعمل له، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالأِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات 56] .
وأن تلك الغاية الجليلة، هي جوهر الرسالات الإلهيّة، ولب دعوة كل الأنبياء قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ} [الأنبياء 25] .
وقال سبحانه: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل 36] .
وجميع الرسل والأنبياء الذين بعثهم الله - تعالى - إلى البشر، وفي كل الأمم جاهدوا في الله حق جهاده، حتى يُعبد الله وحده لا شريك له، وبلغّوا رسالات ربهم، وكانوا هداة معلمين، ولاقوا في سبيل ذلك العناد والكفر والشطط في القول، والتجاوز في الفعل، وغير ذلك، مما قصه الله علينا في القرآن الكريم في مختلف سوره وآياته، حتى إذا كانت رسالة الإسلام الخالدة، ظل الرسول - صلوات الله عليه وسلامه - ثلاث عشرة سنة في مكة المكرمة يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ونبذ عبادة الأصنام والأوثان والأسلاف، ويزكي نفوس القلة التي آمنت معه، ولقي من الأذى، والعنت والظلم ما ورد ذكره في القرآن الكريم، وما تحفل به كتب السيرة، حتى إذا كتب الله له النصر بعد هجرته إلى المدينة النبوية، وقيام دولة الإسلام الأولى، بدأ الإسلام ينشر رايته في داخل شبه الجزيرة، ودخل الناس في دين الله أفواجا.
كانت المدينة النبوية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، هي منارة الدعوة، وحاضرة الدولة، وخلال عشر سنوات، وقبل انتقال الرسول صلى الله عليه وسلم إلى الرفيق الأعلى تأسست الدولة، ووضع الرسول صلى الله عليه وسلم بسنته القولية والفعلية والتقريرية أسس الدعوة إلى الله عز وجل.