وفي هذا تتجلى قوة تدين الملك عبد العزيز وهو السياسي المحنك، وهذه سمة مميزة ترفعه عند الله تعالى درجات، إذ يجنح أغلب الساسة إلى المصانعة والمسايرة لكسب الأصوات واصطناع المحبين الزائفين ولو على حساب الدين، ويرون ذلك من الكياسة واللباقة! وما هو إلا من ركاكة التدين وخور الهمة.
وتبرز - أيضا - أصالة الفكر السياسي القائم على أساس الدين القويم، وأن ذلك هو الأصلح والأوفق لأنه يتسم بالصدق والوضوح، ومعروف ما للصدق من آثار عميقة في استحداث الثقة بين القائد والرعية واستحثاثها.
ومن أقواله أيضا: "أنا قوي بالله تعالى ثم بشعبي، وشعبي كلهم كتاب الله في رقابهم، وسيوفهم بأيديهم، يناضلون ويكافحون في سبيل الله، ولست أدعي أنهم أقوياء بعددهم أو عددهم ولكنهم أقوياء إن شاء الله بإيمانهم" [19] .
وقد تضمن هذا القول الحكيم ميزانا شرعيا دقيقا في معرفة حقائق الناس ومقياس القوة لديهم، فالناس بإيمانهم ومبادئهم وثباتهم عليها واستعدادهم للتضحية في سبيلها، وليس بمظاهرهم وعددهم.
ج - في مؤتمر الرياض عام 1347 هـ إثر خروج بعض الإخوان عليه قال: "أسست هذه المملكة من دون معين، وكان الله القدير وحده معيني وسندي وهو الذي أنجح أعمالي" [20] .
وبقدر ما في هذا القول الباهر من وثوق عبد العزيز بالله جل ذكره وقوة صلته به واعتماده عليه، بقدر ما فيه من اعتزاز القائد بمبادئه العقدية وهو ما ينمي في الرعية بواعث الإعجاب بالقيادة المعتزة بدينها كما يعمق فيهم التدين الذي يعصم من داء التشرذم والتفرق ويحض على الاجتماع، وهو أمر لا يفقهه إلا العظماء المتمرسون من الساسة.