ثم خلت قرون، وتبدلت شؤون، وتتابعت أحداث، وخلف من بعدهم خلف قد استهواهم الشيطان فلم يسلكوا سبيل أسلافهم في القيام بحق القرآن حفظاً وتلاوة وتدبراً وفهماً فنالهم بشؤم ذلك كثير من الذل والهوان، أهملوا حفظ القرآن في مكاتب تحفيظه بل أهملوا بعد ذلك إنشاء هذه المكاتب نفسها فحرم الأبناء من حفظ القرآن في حداثة السن، وبداية التربية.
ثم أهملوا حفظ القرآن وتدريسه في مراحل التعليم بعد المدارس، والمعاهد فتخرج الأبناء منها أخلياء من القرآن حفظاً ودراسة.
وحينما قررت بعض البلدان حفظ قليل منه وتدريسه بمدارسها جعلوه مادة إضافية بين مواد التعليم لا يترتب على الرسوب فيها أثر فكان كأن لم يكن.
وبذلك تقلص ظل القرآن في المدارس في هذه الأزمنة الأخيرة في معظم البلدان حفظاً، وتعليماً، وكل ذلك تنفيذ لمخطط إجرامي أثيم اصطنعه وأحكم تدبيره أعداء القرآن والإسلام من الأجانب المستعمرين الذين بأيديهم مقاليد التعليم في البلاد التي منيت بهم، وتبعهم، وتبعهم في ذلك بعض الضعفاء الإمعات، والمنافقين من أبناء البلاد ويمكننا أن نقول - في غير مغالاة - إن الشباب المسلم محروم الآن في أكثر بلاد الإسلام من حفظ القرآن، ودراسته في المرحلة الثانوية من مراحل التعليم، وفي الجامعات بأسرها، وهم في السن التي يحتاجون فيها أشد الاحتياج إلى ضبط النفوس، وقمع الشهوات، والتربية الدينية، والتهذيب والتوجيه إلى الخير والصلاح بوازع ديني محكم قويم وذلك بحفظ كثير من آيات الذكر الحكيم، ودراسة تفسيرها، وفهم معناها القويم.
ولا شك أن ذلك خطر كبير على المجتمع الإسلامي، وسبب قوي لانحلاله وتمزقه يحمل تبعاته الجسام من لم يحسن الرعاية من المسؤولين عن التعليم في البلاد بل استهان بالأمر حتى استفحل الشر، وساءت العقبى وأصبح الإسلام غريباً كما بدأ.
ولا سبيل للخلاص من هذا الخطر الداهم، والخروج من عهدة الإثم البالغ إلا بتنفيذ ما يأتي: