وإذا أُطلق المسجد الحرام، فلا يُعرف منه إلاّ البقعة المحيطة بالكعبة من جميع جهاتها، إحاطة السوار بالمعصم، من أروقة وساحات، تتصل صفوف المصلين للفريضة فيها خلف إمام واحد.
وهذه البقعة كما بدأت ضيقة، وما أصبحت عليه الآن من اتساع كبير، بما لحقها من إضافات كانت خارج حدود المسجد الحرام، فإنها قابلة للزيادة، والإتساع وفق حاجة المسلمين، وتزايد أعداد الحجاج والمعتمرين الذين يقصدون البيت الحرام لأداء نسكهم. فهذه الزيادات تدخل تحت اسم المسجد الحرام، وتكتسب أحكامه، وحرمته، مهما امتدت أو اتسعت، ويبقى ما وراءها خارجاً عنها.
وحرمة المسجد الحرام أصل تفرع عنه حرمة المكان المحيط به، وقد اكتسب (الفرع) بعض خصائص (الأصل) ، ولكن يبقى للأصل ما يميزه عن الفرع.
وأرض المسجد الحرام، والكعبة بعينها مركز الدائرة، وما أحاط بها حريم لها، يتسع للمصلين خلف إمام واحد، وما كان خارج ذلك فهو بمثابة السياج حول أرض الحمى، يطوِّق المكان، ويمنع عنه وصول المغرضين، المعادين لرب البيت ومليكه.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} [التوبة/28] .
جاء في الصحيح عن أبي هريرة قوله:
بعثني أبو بكر في تلك الحجة في مُؤذِّنين يوم النحر، نؤَذِّنُ بمنىً، أَلاَّ يحج بعد العام مُشرك، ولا يطوف بالبيت عُربان.
قال حميد بن عبد الرحمن: ثم أردفَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عليّاً، فأمره أن يؤذن "ببراءة".
قال أبو هريرة: فأذّن معنا عليٌّ في أهل مِنى يوم النحر: لا يحج بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عُرياناً [66] .