والصلاة فيه - الفريضة والنافلة - تفْضُل على الصلاة في غيره بمائة ألف [64] ، قال ابن عباس: "من صلى في المسجد الحرام، حول بيت الله الحرام، في جماعة كتب الله تعالى له خمساً وعشرين مرة مائة ألف صلاة".
قال له رجل من التابعين: أعن رأيك هذا يا ابن عباس، أو عن
رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: لا، بل عن رسول الله [65] .
فقوله: "في المسجد الحرام، حول بيت الله الحرام"، تخصيص لأرض مسجد الكعبة دون غيرها من الأرضين.
وحول الأخذ (بالإرادة) دون (التنفيذ) واستحقاق المريد لعذاب أليم، وإن لم يقع منه ما أراد، بل بمجرد الإرادة، وقع التباس: هل هو أمر خاص بالمسجد الحرام دون غيره من البقاع في الأرض؟ أم هل تكون المؤاخذة في قرية مكة كلها باعتبارها حرماً تضاعف فيها السيئات والحسنات كالمسجد الحرام؟.
مكة المكرمة كما سلف لم يكن لها وجود قبل ترك إبراهيم عليه السلام بعض أهله بواديها، ونبط الماء من بئر زمزم.
ثم قيام إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام برفع قواعد البيت الحرام ممتثلَيْن لأمر ربهما، وقد أمرهما بأن يطهرا بيته للطائفين والعاكفين والركع السجود.
ثم أَمَرَ - سبحانه - نبيه إبراهيم أن يؤذن في الناس بالحج إلى الكعبة بيت الله الحرام.
كل هذه مراحل أساسية في تكوين مجتمع مكة المكرمة، حتى أصبحت قرية مأهولة، يجد فيها كل قاصدٍ لبيت الله الحرام ما يحتاجه من مرافق، وضروريات، لطعامه، وشرابه، وسباته، وقضاء حاجته، وسائر الأمور التي ينزه بيت الله عنها.
وورد في حقها ما يميزها عن سائر بقاع الأرض، وعرفت في القرآن الكريم بأم القرى، والأم لها من الحقوق والواجبات ما ليس لغيرها من القرابات على ولدها.
وكان وجود الكعبة بيت الله الحرام في حريمها سبباً في إضفاء القدسية، والبركة في سائر أرضها المحاطة بأنصبة ومعالم تفصلها عن غيرها.