قال الألوسي: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ …} أي: يجازيكم به يوم القيامة، وأما تصور المعاصي، والأخلاق الذميمة فهو لعدم إيجابه اتصاف النفس به، لا يعاقبه عليه ما لم يوجد في الأعيان، وإلى هذا الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله تجاوز عن أمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تكلم"، أي: إن الله لا يعاقب أمتي على تصور المعصية، وإنما يعاقب على عملها، وقيل: إذا وصل التصور إلى حدّ التصميم والعزم، يؤاخذ به، لقوله تعالى: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ} [البقرة/225] .
لأنا نقول: المؤاخذة بالحقيقة على التصميم والعزم على إيقاع المعصية في الأعيان، وهي أيضاً من الكيفيات النفسانية التي تلحق بالملكات، ولا كذلك سائر ما يحدث في النفس [18] .
قال ابن حجر:
المؤاخذة على أعمال القلوب المستقلة بالمعصية لا تستلزم المؤاخذة على عمل القلب بقصد معصية الجارحة إذا لم يعمل المقصود.
وقسَّم بعضهم ما يقع في النفس أقساماً:
أضعفها أن يخطر له، ثم يذهب في الحال، وهذا من الوسوسة وهو معفوٌّ عنه، وهو دون التردد.
وفوقه أن يتردد فيهمُّ به، ثم ينفر عنه، فيتركه، ثم يهمُّ به ثم يتركه، ولايستمر على قصده، وهذا هو التردد فيعفى عنه، وفوقه، أن يميل إليه، ولاينفر منه، بل يُصمم على فعله، فهذا هو العزم، وهو منتهى الهمُّ وينقسم إلى قسمين: أن يكون من أعمال القلوب صرفاً، كالشك في الوحدانية، أو النبوة، أو البعث، فهذا كفر، ويعاقب عليه جزماً.
ودونه المعصية التي لا تصل إلى الكفر، كمن يحب ما يبغض الله، ويبغض ما يحبه الله، ويحب للمسلم الأذى بغير موجب لذلك، فهذا إثم.
أن يكون من أعمال الجوارح، كالزنا، والسرقة، فهو الذي وقع فيه النزاع، فقيل: لا يؤاخذ بذلك أصلاً.