والحديث - والله أعلم - لم يفرق بين من أراد السيئة في المسجد الحرام، ومن أرادها خارجه، ولكن إن ترك فعل السيئة أو المعصية بعد تمكنه من فعلها، خوفاً من الله فإنَّه يثاب، ولا يؤاخذ بما همَّ به في غير المسجد الحرام.
قال المحاسبي: "أما الهمّ الموضوع فهو التَروية إذا خطرت المعصية أيفعلها أم لا؟ فهو يميل بين الفعل والترك، فلا يُكْتَب عليه شيء حتى يصير إلى أحدهما، فإن صار إلى العَقْد زال عنه الهمّ.
وإن هو صار من الهمِّ إلى الترك صار إلى الطاعة، وكتبت له حسنة، وإذا همّ بفعل حسنة من النفل كتبت له حسنة، فإذا عقد عليها كُتبت له عشراً، فإذا همَّ بحسنة من الفرض أيفعل أو لا يفعل؟ فليس ذلك من حسنة إنما الهمُّ بالحسنة هو الهمّ بالنفل" [10] .
وقال الخطابي: "محل كتابة الحسنة على الترك أن يكون التارك قد قدر على الفعل ثم تركه، لأن الإنسان لا يُسمى تاركاً إلاّ مع القدرة، ويدخل فيه من حال بينه وبين حرصه على الفعل مانع، كأن يمشى إلى امرأة ليزني بها - مثلاً - فيجد الباب مغلقاً، ويتعسر فتحه، ومثله من تمكن من الزنا - مثلاً - فلم ينتشِر، أو طَرَقَه ما يخاف من أذاه عاجلاً [11] . والله أعلم.
الفصل الأول
الحدود والفروق بين الحرم والمسجد الحرام
المبحث الأول: حدود مكة المكرمة، ومواقيت حرمها الأربعة