وقد تُحَرِّك في نفسه بعض تلك الصور المُتَخَيَّلَة نوعاً من الرغبة في نيلها، والاستمتاع بها، فيتدرج مع خياله في سبل تحقيقها حتى يكتمل في ذهنه مُحققاً، وواقعاً ملموساً، قد ذلل بقدرته على التصور كل العقبات المحتملة دونه، فينزع إلى التنفيذ ويهم بالمباشرة، وتبرز عندئذٍ (الإرادة) فيْصَلاً بين التنفيذ أو الإحجام.
فإن هو سعى في طلب ما نزعت إليه نفسه بنيَّة تحقيقه، في قوة مركَّبة من شهوة، وخاطر، وأمل، واتخذ حيال ذلك الوسائل، والوسائط، والسبل، وأجرى في نفسه مشهداً تجريبياً، تجري فصوله مثال الواقع، فاستهواه واستساغه، وشجعه بجعله واقعاً ملموساً، فهو قد أراد إرادة أكيدة في تحقيق ونيل ما سعى إليه، وتسمى تلك الإرادة المؤكدة (عزيمة) ، فإن تم له ما أراد تقرر في حقه الثواب أو العقاب، وإذا حال دون تحقيق إرادته مانعٌ لا يقوى على تذليله، وبقيت معه تلك الإرادة المؤكدة تراوده إلى فعل ما أراد حال تمكُّنه، يسمى فعله ذلك إصراراً يؤاخذ عليه في الحرم، والإصرار هو: "الإقامة على الذنب، والعزم على فعل مثله" [8] .
وإذا منعه من تحقيق ما أراد مانع من نفسه، كخوفه من الله، وخشيته من العاقبة، وكان قادراً على الاسترسال في طلب مراده، وتحقيق ما أراد، فاستغفر ربه وأناب، فكأنَّه في هذه الحالة لم يصدر عنه شيء البتَّة، بل يثاب على تركه المعصية - وقد كان قادراً على فعلها - خوفاً من الباري جلّ وعلا.
روى النبي صلى الله عليه وسلم حديثاً عن ربه جلّ وعلا أنه قال: "إذا أراد عبدي أن يعْمل سيئة فلا تكتبوها عليه حتى يعملها، فإن عملها فاكتبوها له بمثِلها، وإن تركها من أجلي فاكتبوها له حسنة، وإذا أراد أن يعمل حسنة فلم يعملها فاكتبوها له حسنة، فإن عملها فاكتبوها له بعشر أمثالها إلى سبع مائة" [9] .