أولهما: ما جاءت بداهته من حيث أنَّ النص الثاني نتيجة بدهية للنص الأول مثل: {فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} (1) , حيث قال بعدها: {تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَة} (2) , وهي نتيجة حسابية لا تحتاج إلى أكثر من تَوَجّه العقل ويستند إدراكها إلى النصر الأول مع التوجه العقلي الأولي لإدراكها.
ثانيهما: ما جاءت بداهته من التوجه العقلي الأَوَّلِيّ دون استناد إلى نصٍ سابقٍ كمقدمة له، مثل: {ثُمَّ إِنَّكُمْ بَعْدَ ذَلِكَ لَمَيِّتُونَ} (المؤمنون:15) , فإنَّ إدراك هذا الأمرَ البدهي معلوم لا يحتاج إلى أكثر من توجه العقل تَوَجّهاً أَوَلِيَّاً حتى ولو لم يسبقه نصر يقرره أو يؤدي إليه بالضرورة.
ونستطيع أن نذكر بعد هذا أنًا نريد بالبدهيات في القرآن الآيات التي يذكر فيها لازم ما سبقه من كلام أو آلته أو نتيجة حسابية لعددين لا يحتاج جمعُهما لغير توجه العقل توجها أوليَّاً.
وقد يعتقد كثير من الناس أنَّ البدهيات بهذا المعنى لم ترد في القرآن إلا قليلاً والحق أنها وردت شي كثير من الآيات يمر عليها كثير من التالين للقرآن من غير أن يكون في إدراك معناها جسأة توقفهم- ولو هنية- للتأمل والتفكر فيمرون عليها سريعا وكأن قوة ظهور معناها عامل على سرعة تجاورها، وحصان حق هذه الآيات أن نقف عندها طويلا، لا لاستظهار معناها هذا قد كفيناه، وإنَّما للتدبر والتفكر في سِرِّ إظهار معناها هذا الظهور وحكمةِ ذلك.
ولكثير من المفسرين وقفات عند مثل هذه الآيات طويلة عند بعضهم، وقصيرة عند آخرين وهم حين يتناولونها فإنَّمَا يتناولونها آحاداً من غير مقارنة بينها أو دراسة لموضوعها، ونَجدُ أنَّ مثل هذه الوقفات تظهر عند المهتمين في تفاسيرهم بالبلاغة واللغة، ولهذا فإنه ينبغي أن نبين صلة البدهيات بعلم البلاغة.
صلة البديهيات بالبلاغة