وفي هذا الحديث بيان عند أهل المعرفة أجمعين، لأنه زعم أنه قد شرب من نبيذ السقاية نبيذاً شديداً فجعله حجة في تحليل المسكر، وتأولوا أنه لا يقطب إلا من شدة، وأنه لا يكون شديداً غير مسكر، فرجعوا أيضاً إلى الأخذ بالتأويل فيما تشابه، وتركوا ما قد كفوا مئونته وفسر لهم وجهه لقوله:"ما أسكر كثيره فقليله حرام". فهل يحتاج هذا إلى تفسير؟ فيقال لهم أيكون من النقيع ما يشتد وهو حلو قبل غليانه؟ فيقولون لا. فيقال لهم: أرأيتم نبيذ السقاية أنقيع هو أو مطبوخ؟ فيقولون نقيع. فإذا هم قد تكلموا بالكفر أو شبهه حين زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم شربه نقيعاً شديداً، أو أنه لا يشتد حتى يغلي، وأنه إذا غلا النقيع فهو خمر. فهم يقرون بأنه خمر، وهم يزعمون بأن النبي صلى الله عليه وسلم قد شربه ثم يحتجون بذلك في غيره ولا يأخذون به فيه بعينه. وتفسير هذا الكلام أنهم احتجوا بشرب النبي صلى الله عليه وسلم زعموا النقيع الشديد في تحليل المسكر المطبوخ، ولا يرون شرب المسكر الشديد من النقيع، فأيّ معاندة للعلم أبين من هذه؟
وهذا كقولهم إذا قعد مقدار التشهد ثم أحدث فقد تمت صلاته. ويحتجون في ذلك بالحديث الضعيف:"إذا رفع رأسه من آخر سجدة ثم أحدث فقد تمت صلاته ". وهم لا يقولون به، لأنهم يقولون حتى تقعد مقدار التشهد. فهذان الحديثان هما حجة من أحل المسكر مما أدعوه على النبي صلى الله عليه وسلم وأن الله عز وجل قد حرم الخمر فلم يبين في كتابه ما تفسيرها فلجأ قوم إلى أن الخمر هي خمر العنب خاصة بغير حجة من كتاب ولا سنة، وكان نبي الله صلى الله عليه وسلم. أولى بتفسير ما حرم الله عز جل على لسانه فقال صلى الله عليه وسلم:"الخمر من خمسة أشياء" (1) .
وقال في حديث آخر"من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة" (2) .